الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{كَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَى ٱلۡمُقۡتَسِمِينَ} (90)

في الكلام حذف ، أي إني أنا النذير المبين عذابا ، فحذف المفعول ؛ إذ كان الإنذار يدل عليه ، كما قال في موضع آخر : " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " {[9755]} [ فصلت : 13 ] . وقيل : الكاف زائدة ، أي أنذرتكم ما أنزلنا على المقتسمين ، كقوله : " ليس كمثله شيء{[9756]} " [ الشورى : 11 ] وقيل : أنذرتكم مثل ما أنزلنا بالمقتسمين . وقيل : المعنى كما أنزلنا على المقتسمين ، أي من العذاب وكفيناك المستهزئين ، فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين الذين بغوا ، فإنا كفيناك أولئك الرؤساء الذين كنت تلقى منهم ما تلقى .

واختلف في " المقتسمين " على أقوال سبعة : الأول : قال مقاتل والفراء : هم ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا أعقاب{[9757]} مكة وأنقابها وفجاجها يقولون لمن سلكها : لا تغتروا بهذا الخارج فينا يدعي النبوة ، فإنه مجنون ، وربما قالوا ساحر ، وربما قالوا شاعر ، وربما قالوا كاهن . وسموا المقتسمين لأنهم اقتسموا هذه الطرق ، فأماتهم الله شر ميتة ، وكانوا نصبوا الوليد بن المغيرة حكما على باب المسجد ، فإذا سألوه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صدق أولئك .

الثاني : قال قتادة : هم قوم من كفار قريش اقتسموا كتاب الله فجعلوا بعضه شعرا ، وبعضه سحرا ، وبعضه كهانة ، وبعضه أساطير الأولين . الثالث : قال ابن عباس : ( هم أهل الكتاب آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه ) . وكذلك قال عكرمة : هم أهل الكتاب ، وسموا مقتسمين لأنهم كانوا مستهزئين ، فيقول بعضهم : هذه السورة لي وهذه السورة لك . وهو القول الرابع . الخامس : قال قتادة : قسموا كتابهم ففرقوه وبددوه وحرفوه . السادس : قال زيد بن أسلم : المراد قوم صالح ، تقاسموا على قتله فسموا مقتسمين ، كما قال تعالى : " تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله{[9758]} " [ النمل : 49 ] .

السابع : قال الأخفش : هم قوم اقتسموا أيمانا تحالفوا عليها . وقيل : إنهم العاص بن وائل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل بن هشام وأبو البختري بن هشام والنضر بن الحارث وأمية بن خلف ومنبه بن الحجاج ، ذكره الماوردي .


[9755]:راجع ج 15 ص 346.
[9756]:راجع ج 16 ص 7.
[9757]:الأعقاب ما بعد مكة من الطرق يفد منها الناس، والأنقاب: منافذ الجبال، والفجاج: الطرق الواسعة.
[9758]:راجع ج 13 ص 216.