تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (95)

يقول تعالى : { وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ } قال ابن عباس : وجب ، يعني : قدرًا مُقَدرًا{[19854]} أن أهل كل{[19855]} قرية{[19856]} أهلكوا أنهم لا يرجعون إلى الدنيا قبل يوم القيامة . هكذا صرح به ابن عباس ، وأبو جعفر الباقر ، وقتادة ، وغير واحد .

وفي رواية عن ابن عباس : { أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ } أي : لا يتوبون .

والقول الأول أظهر ، والله أعلم .


[19854]:- في ت ، ف : "مقدورا".
[19855]:- في ت ، ف : "إن كل أهل".
[19856]:- في ت : "القرية".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَحَرَٰمٌ عَلَىٰ قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآ أَنَّهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ} (95)

واختلف القراء في قوله تعالى { وحرام } ، فقرأ عكرمة وغيره «وحَرِم » بفتح الحاء وكسر الراء ، وقرأ جمهور السبعة و «حرام » وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم ، و «حِرْم » بكسر الحاء وسكون الراء{[8273]} ، وقرا ابن العباس بخلاف عنه «وحَرْم » بفتح وسكون الراء ، وقرأت فرقة «وحَرّم » بفتح الحاء وشد الراء ، وقرأت فرقة «وحُرِّم » بضم الحاء وكسر الراء وشدها ، وقرأ قتادة ومطر الوراق «وحَرُم » بفتح الحاء وضم الراء{[8274]} ، والمستفيض من هذه القراءات قراءة من قرأ و «حرم » وقراءة من قرأ و «حرام » وهما مصدران بمعنى نحو الحل والحلال ، فأما معنى الآية فقالت فرقة «حرام وحرم » معناه جزم وحتم فالمعنى وحتم { على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } إلى الدنيا فيتوبون ويستعتبون بل هو صائرون إلى العقاب ، وقال بعض هذه الفرقة الإهلاك هو بالطبع على القلوب ونحوه والرجوع هو إلى التوبة والإيمان ، وقالت فرقة المعنى { وحرام } أي ممتنع ، و «حرم » كذلك ، { على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } وقالوا { لا } زائدة في الكلام واختلفوا في الإهلاك والرجوع بحسب القولين المذكورين ، قال أبو علي يحتمل أن يرتفع «حرامُ » بالابتداء والخبر رجوعهم و { لا } زائدة ، ويحتمل أن يرتفع «حرام » على خبر الابتداء كأنه قال والإقالة والتوبة «حرام » ثم يكون التقدير «بأنهم لا يرجعون » فتكون { لا } على بابها كأنه قال هذا عليهم ممتنع بسبب كذا فالتحريم في الآية بالجملة ليس كتحريم الشرع الذي إن شاء المنهي ركبه .

قال القاضي أبو محمد : ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بيّن وذلك أنه ذكر من عمل صالحاً وهو مؤمن ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى رب ولا يرجعون إلى معاد فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء أي وممتنع على الكفرة المهلكين أن لا يرجعون بل هم راجعون إلى عقاب الله وأليم عذابه فتكون { لا } على بابها والحرام على بابه وكذلك الحرم فتأمله{[8275]} .


[8273]:قراءة حفص عن عاصم كما هي ثابتة في المصحف: {وحرام على قرية أهلكناها} إلى آخر الآية، ولعل الخطأ من النساخ.
[8274]:قال ابن جني: "أما [حرم] فالماضي من حرم، مثل قلق من قلق، قالوا: حرم زيد إذا سلب ما له، قال زهير: وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم". ومعنى هذا الكلام أن (حرم) لازم ولهذا يكون الوصف منه على فعل، مثل قلق وبطر من قلق وبطر. ثم قال ابن جني: "وأما [حرم] فمن حرمته الشيء: إذا منعته إياه، فقد عاد إذا إلى معنى: {وحرام على قرية}."
[8275]:وقال الزجاج: "إن في الكلام إضمارا، والتقدير: وحرام على قرية حكمنا باستئصالها، أو بالختم على قلوبها أن يتقبل منهم عمل لأنهم لا يرجعون، أي لا يتوبون، و [لا] غير زائدة. وقال النحاس: الآية مشكلة، ومن أحسن ما قيل فيها ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، حيث قال: "وجب أنهم لا يرجعون، قال: لا يتوبون"، وقد قيل: الحرام يأتي بمعنى الواجب، ويدل على ذلك قوله تبارك وتعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا} وترك الشرك واجب، وقالت الخنساء: حرام على ألا أرى الدهر باكيا على شجوه إلا بكيت على صخر "وقيل: هذا البيت لعبد الرحمن بن جمانة المحاربي الجاهلي، قال ذلك في اللسان ـ حرم".