تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ} (90)

يقول تعالى متوعدًا ومتهدِّدًا لمن كفر بعد إيمانه ثم ازداد كفرا ، أي : استمر عليه إلى الممات ، ومخبرا بأنه لا يقبل لهم توبة عند مماتهم ، كما قال

[ تعالى ]{[5283]} { وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ [ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ]{[5284]} } [ النساء : 18 ] .

ولهذا قال هاهنا : { لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ } أي : الخارجون عن المنهج الحق إلى طريق الغَيِّ .


[5283]:زيادة من ر، أ، و.
[5284]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعۡدَ إِيمَٰنِهِمۡ ثُمَّ ٱزۡدَادُواْ كُفۡرٗا لَّن تُقۡبَلَ تَوۡبَتُهُمۡ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ} (90)

اختلف المتأولون في كيف يترتب كفر بعد إيمان ، ثم زيادة كفر ، فقال الحسن وقتادة وغيرهما : الآية في اليهود كفروا بعيسى بعد الإيمان بموسى ثم { ازدادوا كفراً } بمحمد صلى الله عليه وسلم .

قال الإمام أبو محمد : وفي هذا القول اضطراب ، لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين ، وقال أبو العالية رفيع : الآية في اليهود ، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها في التوراة . ثم ازدادوا كفراً بالذنوب التي أصابوها في خلاف النبي صلى الله عليه وسلم ، من الافتراء والبهت والسعي على الإسلام وغير ذلك .

قال الإمام أبو محمد : وعلى هذا الترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم ، وقال مجاهد : معنى قوله { ثم ازدادوا كفراً } أي تموا على كفرهم وبلغوا الموت به ، فيدخل في هذا القول اليهود والمرتدون ، وقال السدي نحوه ، ثم أخبر تعالى أن توبة هؤلاء لن تقبل ، وقد قررت الشريعة أن توبة كل كافر تقبل ، سواء كفر بعد إيمان وازداد كفراً ، أو كان كافراً من أول أمره ، فلا بد في هذه الآية من تخصيص تحمل عليه ويصح به نفي قبول التوب فقال الحسن وقتادة ومجاهد والسدي : نفي قبول توبتهم مختص بوقت الحشرجة الغرغرة والمعاينة ، فالمعنى { لن تقبل توبتهم } عند المعاينة ، وقال أبو العالية : معنى الآية : لن تقبل توبتهم من تلك الذنوب التي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فإنهم كانوا يقولون في بعض الأحيان : نحن نتوب من هذه الأفعال ، وهم مقيمون على كفرهم ، فأخبر الله تعالى ، أنه لا يقبل تلك التوبة .

قال الفقيه الإمام : وتحتمل الآية عندي أن تكون إشارة إلى قوم بأعيانهم من المرتدين ختم الله عليهم بالكفر ، وجعل ذلك جزاء لجريمتهم ونكايتهم في الدين ، وهم الذي أشار إليهم بقوله { كيف يهدي الله قوماً } [ آل عمران : 86 ] فأخبر عنهم أنهم لا تكون لهم توبة فيتصور قبولها ، فتجيء الآية بمنزلة قول الشاعر :

على لا حب لا يهتدى بمناره {[3317]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . .

أي قد جعلهم الله من سخطه في حيز من لا تقبل له توبة إذ ليست لهم ، فهم لا محالة يموتون على الكفر ، ولذلك بيّن حكم الذين يموتون كفاراً بعقب الآية ، فبانت منزلة هؤلاء ، فكأنه أخبر عن هؤلاء المعينين ، أنهم يموتون كفاراً ، ثم أخبر الناس عن حكم من يموت كافراً و{ الضالون } المخطئون الطريق القويم في الأقوال والأفعال ، وقرأ عكرمة : «لن نقبل » بنون العظمة «توبتَهم » بنصب التاء .


[3317]:- البيت لامرئ القيس، وتمامه: ............ إذا ساقه العود النباطي جرجا اللحب واللاحب: الطريق الواسع، من لحبه إذا وطئه ومر فيهن فأصله ملحوب، والمنار: أعلام الطريق. وسافه يسوفه سوفا: إذا شمه شما، ومنه المساقه. والعود: الجمل المسن، ويطلق على الطريق القديم. والنباطي: نسبة للنبط، وهم قوم يحلون البطاح بين العراقين يستنبطون منها الماء. كانت عاصمتهم (سلع) وتعرف اليوم بالبتراء- ثم استعمل اللفظ (النبط) في أخلاط الناس من غير العرب. والنبط هم: الأنباط. والجرجرة: صوت يردده البعير في حنجرته. والمقصود بالبيت نفي المنار إذا شمه البعير المسن عرف أنه طريق وعر لتجربته الطرق وجرجر خوفا منه لصعوبته عليه مع تمرنه على السفر سيما إذا كان من إبل النبط لكثرة رحيلهم. "معلق الكشاف".