تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

ثم قال : { وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلا الْمُسِيءُ } أي كما لا يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا ، والبصير الذي يرى ما انتهى إليه بصره ، بل بينهما فرق عظيم ، كذلك لا يستوي المؤمنون الأبرار والكفرة الفجار ، { قَلِيلا مَا تَتَذَكَّرُونَ } أي : ما أقل ما يتذكر كثير من الناس .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

قوله تعالى : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس } توبيخ لهؤلاء الكفرة المتكبرين ، كأنه قال : مخلوقات الله أكبر وأجل قدراً من خلق البشر ، فما لأحد منهم يتكبر على خالقه ، ويحتمل أن يكون الكلام في معنى البعث والإعادة ، فأعلم أن الذي خلق السماوات والأرض قوي قادر على خلق الناس تارة أخرى . والخلق على هذا التأويل مصدر مضاف إلى المفعول . وقال النقاش : المعنى مما يخلق الناس ، إذ هم في الحقيقة لا يخلقون شيئاً ، فالخلق في قوله : { من خلق الناس } مضاف إلى الفاعل على هذا التأويل .

وقوله : { ولكن أكثر الناس } يقتضي أن الأقل منهم يعلم ذلك ، ولذلك مثل الأكثر الجاهل : ب { الأعمى } ، والأقل العالم : ب { البصير } ، وجعل : { الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يعادلهم قوله : { ولا المسيء } وهو اسم جنس يعم المسيئين ، وأخبر تعالى أن هؤلاء لا يستوون ، فكذلك الأكثر الجهلاء من الناس لا يستوون مع الأقل الذين يعلمون .

وقرأ أكثر القراء والأعرج وأبو جعفر وشيبة والحسن : «يتذكرون » بالياء على الكناية عن الغائب . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وقتادة وطلحة وعيسى وأبو عبد الرحمن : «تتذكرون » بالتاء من فوق على المخاطبة . والمعنى : قل لهم يا محمد .