تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا نُفُورٗا} (41)

يقول تعالى : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا{[17519]} فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا{[17520]} } أي : صرفنا فيه من الوعيد لعلهم يذكرون ما فيه من الحجج والبينات والمواعظ ، فينزجروا{[17521]} عما هم فيه من الشرك والظلم والإفك ، { وَمَا يَزِيدُهُمْ } أي : الظالمين منهم { إِلا نُفُورًا } أي : عن الحق ، وبعدًا منه .


[17519]:في ت، ف، أ: "صرفنا للناس" وهو خطأ.
[17520]:في ت، ف: "القرآن من كل مثل" وهو خطأ.
[17521]:في ف: "فينزجزن".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا نُفُورٗا} (41)

{ ولقد صرّفنا } كررنا هذا المعنى بوجوه من التقرير . { في هذا القرآن } في مواضع منه ، ويجوز أن يراد بهذا القرآن إبطال إضافة البنات إليه على تقدير : ولقد صرفنا هذا القول في هذا المعنى أو أوقعنا التصريف فيه ، وقرئ { صرَفنا } بالتخفيف . { ليذّكّروا } ليتذكروا وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي الفرقان { ليذكُروا } من الذكر الذي هو بمعنى التذكر . { وما يزيدهم إلا نفورا } عن الحق وقلة طمأنينة إليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا نُفُورٗا} (41)

لما ذكر فظاعة قولهم بأن الملائكة بنات الله أعقب ذلك بأن في القرآن هدياً كافياً ، ولكنهم يزدادون نفوراً من تدبره .

فجملة { ولقد صرفنا في هذا القرآن } معترضة مقترنة بواو الاعتراض .

والضمير عائد إلى الذين عبدوا الملائكة وزعموهم بنات الله .

والتصريف : أصله تعدد الصرف ، وهو النقل من جهة إلى أخرى . ومنه تصريف الرياح ، وهو هنا كناية عن التبيين بمختلف البيان ومتنوعه . وتقدم في قوله تعالى : { انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون } في سورة [ الأنعام : 46 ] .

وحذف مفعول { صرفنا } لأن الفعل نزل منزلة اللازم فلم يقدر له مفعول ، أي ، بينا البيان ، أي ليذّكّروا ببيانه . ويذّكّروا : أصله يتذكروا ، فأدغم التاء في الذال لتقارب مخرجيهما ، وقد تقدم في أول سورة يونس ، وهو من الذُكْر المضموم الذال الذي هو ضد النسيان .

وضمير { ليذكروا } عائد إلى معلوم من المقام دل عليه قوله : { أفأصفاكم ربكم بالبنين } [ الإسراء : 40 ] أي ليذكر الذين خوطبوا بالتوبيخ في قوله : { أفأصفاكم ربكم } [ الإسراء : 40 ] ، فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة ، أو من خطاب المشركين إلى خطاب المؤمنين .

وقوله : { وما يزيدهم إلا نفوراً } تعجب من حالهم .

وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف { لِيَذْكُرُوا } بسكون الذال وضم الكاف مخففة مضارع ذكر الذي مصدره الذُّكر بضم الذال .

وجملة { وما يزيدهم إلا نفوراً } في موضع الحال ، وهو حال مقصود منه التعجيب من حال ضلالتهم . إذ كانوا يزدادون نفوراً من كلام فُصّل وبُين لتذكيرهم . وشأن التفصيل أن يفيد الطمأنينة للمقصود . والنفور : هروب الوحشي والدابة بجَزع وخشيةٍ من الأذى . واستعير هنا لإعراضهم تنزيلاً لهم منزلة الدواب والأنعام .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا نُفُورٗا} (41)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولقد صرفنا في هذا القرءان} في أمور شتى، {ليذكروا} فيعتبروا، {وما يزيدهم} القرآن، {إلا نفورا}، يعني: إلا تباعدا عن الإيمان بالقرآن...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره:"وَلَقَدْ صَرّفْنا" لهؤلاء المشركين المفترين على الله "فِي هَذَا القُرآنِ "العِبَر والآيات والحجج، وضربنا لهم فيه الأمثال، وحذّرناهم فيه وأنذرناهم "لِيَذّكّرُوا" يقول: ليتذكروا تلك الحجج عليهم، فيعقلوا خطأ ما هم عليه مقيمون، ويعتبروا بالعبر، فيتعظوا بها، وينيبوا من جهالتهم، فما يعتبرون بها، ولا يتذكرون بما يرد عليهم من الآيات والنّذر، "وما يزيدهم" تذكيرنا إياهم "إلاّ نُفُورا" يقول: إلا ذهابا عن الحقّ، وبُعدا منه وهربا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال الحسن: قوله: (صَرَّفْنَا) -يقول: بيّنا في هذا القرآن ما نزل بمكذبي الرسل من الأمم الخالية؛ بتكذيبهم الرسل أفة قائمة؛ (لِيَذَّكَّرُوا): ما نزل بهم؛ فينتهوا عن تكذيبهم الرسل، (وَمَا يَزِيدُهُمْ): ما بين لهم. (إِلَّا نُفُورًا) أي: تكذيبًا للرسل.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: ولقد صرفنا في هذا القرآن، أي: بيَّنَّا في هذا القرآن والآيات التي تقدم ذكرها- جميع ما يؤتى ويتقى، وما لهم وما عليهم؛ ليعتبروا به، فيؤمنوا، وما يزيدهم القرآن إلا تباعدًا من الإيمان به، وهو ما ذكر: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ...) الآية.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: صرفنا في هذا القرآن من المواعيد الشديدة أنه ما ينزل بهم في الآخرة من العذاب والعقوبة؛ بصنيعهم وتكذيبهم الرسل، لكن إذ لم يؤمنوا بالآخرة، لم يزدهم ذلك الوعيد إلا نفورًا وبعدًا؛ فإن اللَّه قد ذكر في القرآن المواعظ الكثيرة: ما لو نظروا فيه وتأملوا لكانت تمنعهم وتزجرهم عن مثل صنيعهم، لكن لم ينظروا إليه بالتعظيم؛ ولكن نظروا إليه بالاستهزاء والاستخفاف به؛ لذلك أضيف زيادة النفور إليه، أو أضاف ذلك إليه؛ لما أحدثوا بنزوله الكفر والتكذيب له؛ فأضاف ذلك إليه لما ازداد لهم التكذيب، وحدث لهم الكفر به إذا نزل، كما كان لأهل الإسلام يزداد لهم الإيمان واليقين إذا نزل.

وجائز أن يكون قوله: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا)، أي: يَشْرُفوا؛ كقوله: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ)، أي: شرفكم، أو ليذكروا ما نسوا وتركوا وغفلوا عنه. ثم قوله: (صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا)، معناه -واللَّه أعلم -: أنزله؛ ليلزمهم الذكر، أو ليكون عليهم، أو ليأمرهم بالذكر، وهو ما ذكرنا في قوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)، أي: ليلزمهم العبادة والطاعة، أو ليأمرهم بالعبادة والطاعة، أو أرسل وخلق لمن علم منه العبادة والطاعة.

وقوله- عَزَّ وَجَلَّ -: (لِيَذَّكَّرُوا)، أي ليكون لهم الذكرى بذلك؛ لأنه لا يحتمل أن يبيِّن لهم ويجعل لهم بيانًا؛ لِيَذَّكَّرُوا، ثم لا يكون؛ ولكن ما ذكرنا ليكون لهم الذكرى، وقد كانت لكن لم تنفعهم.

وقوله -عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا): ليس القرآن بالذي يزيدهم نفورًا، ولكن لما نظروا إليه بعين الاستخفاف والاستهزاء زاد لهم بذلك نفورًا عندهم وتكذيبًا، وإلّا: القرآن لا يزيد إلا هدى ورشدًا؛ على ما وصفه.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{ولقد صرفنا في هذا القرآن} فيه وجهان:

أحدهما: كررنا في هذا القرآن من المواعظ والأمثال.

الثاني: غايرنا بين المواعظ باختلاف أنواعها...

{ليذكروا} فيه وجهان:

أحدهما: ليذكروا الأدلة.

الثاني: ليهتدوا إلى الحق...

{وما يزيدهم إلا نفوراً} فيه وجهان:

أحدهما: نفوراً عن الحق والاتباع له.

الثاني: عن النظر والاعتبار. وفي الكلام مضمر محذوف، وتقديره ولقد صرفنا الأمثال في هذا القرآن...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

... ثم أخبر أنه وإن أراد منهم الإيمان والهداية بتصريف القرآن، لا يزدادون هم إلا نفورا عنه... وفي إظهار الدلائل صلاح حاصل لمن نظر فيها وأحسن التدبر لها. وإنما جاز أن يزدادوا بما يؤنس من الدلائل نفورا، باعتقادهم أنها حيل وشبه، فنفروا منها أشد النفور لهذا الاعتقاد الفاسد، ومنعهم ذلك من التدبر لها وإدراك منزلتها في عظم الفائدة، وجلالة المنزلة...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هذا القرءان} يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى الله البنات؛ لأنه مما صرفه وكرّر ذكره، والمعنى: ولقد صرفنا القول في هذا المعنى. أو أوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير. ويجوز أن يشير بهذا القرآن إلى التنزيل ويريد. ولقد صرفناه... أي: كررناه ليتعظوا ويعتبروا ويطمئنوا إلى ما يحتج به عليهم.

{وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا} عن الحق وقلة طمأنينة إليه...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

و «النفور» عبارة عن شدة الإعراض تشبيهاً بنفور الدابة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أن التصريف في اللغة عبارة عن صرف الشيء من جهة إلى جهة، نحو تصريف الرياح وتصريف الأمور، هذا هو الأصل في اللغة، ثم جعل لفظ التصريف كناية عن التبيين، لأن من حاول بيان شيء فإنه يصرف كلامه من نوع إلى نوع آخر ومن مثال إلى مثال آخر ليكمل الإيضاح ويقوي البيان فقوله: {ولقد صرفنا} أي بينا...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

المراد بهذا التصريف البيان والتكرير. وقيل: المغايرة، أي غايرنا بين المواعظ ليذكروا ويعتبروا ويتعظوا...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ولقد صرفنا} أي طرقنا تطريقاً عظيماً بأنواع طرق البيان من العبر والحكم، والأمثال والأحكام، والحجج والأعلام، في قوالب الوعد والوعيد، والأمر والنهي، والمحكم والمتشابه -إلى غير ذلك {في هذا القرءان} من هذه الطرق ما لا غبار عليه، ونوعناه من جهة إلى جهة، ومن مثال إلى مثال...

ولما كان ذلك مركوزاً في الطباع، وله في العقول أمثال تبرز عرائسها من خدورها بأدنى التفات من النفس، سمي الوعظ بها تذكيراً بما هو معلوم فقال تعالى: {ليذكروا} أي نوعاً من التذكير- بما أشار إليه الإدغام، فإنه سبحانه كريم يرضى باليسير -هذا في قراءة الجماعة، وقرأ حمزة والكسائي بإسكان الذال وضم الكاف إشارة إلى أن جميع ما في القرآن لا يخرج شيء منه عن العقل، بل هو مركوز في الطباع، وله شواهد في الأنفس والآفاق، يستحضرها الإنسان بأدنى إشارة وأيسر تنبيه، إذا أزيل عنها ما سترها عن العقل من الحظوظ والشواغل... وأتبعه قوله تعالى معجباً منهم: {وما يزيدهم} التصريف {إلا نفوراً} عن السماع فضلاً عن التذكر، لاعتقادهم أن ذلك ليس ببراهين...

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

يخبر تعالى أنه صرف لعباده في هذا القرآن أي: نوع الأحكام ووضحها وأكثر من الأدلة والبراهين على ما دعا إليه، ووعظ وذكر لأجل أن يتذكروا ما ينفعهم فيسلكوه وما يضرهم فيدعوه. ولكن أبى أكثر الناس إلا نفورا عن آيات الله لبغضهم للحق ومحبتهم ما كانوا عليه من الباطل حتى تعصبوا لباطلهم ولم يعيروا آيات الله لهم سمعا ولا ألقوا لها بالا. ومن أعظم ما صرف فيه الآيات والأدلة التوحيد الذي هو أصل الأصول، فأمر به ونهى عن ضده وأقام عليه من الحجج العقلية والنقلية شيئا كثيرا بحيث من أصغى إلى بعضها لا تدع في قلبه شكا ولا ريبا...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فقد جاء القرآن بالتوحيد، وسلك إلى تقرير هذه العقيدة وإيضاحها طرقا شتى، وأساليب متنوعة، ووسائل متعددة... (ليذكروا) فالتوحيد لا يحتاج إلى أكثر من التذكر والرجوع إلى الفطرة ومنطقها، وإلى الآيات الكونية ودلالتها... ولكنهم يزيدون نفورا كلما سمعوا هذا القرآن. نفورا من العقيدة التي جاء بها، ونفورا من القرآن ذاته خيفة أن يغلبهم على عقائدهم الباطلة التي يستمسكون بها. عقائد الشرك والوهم والترهات...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

جملة {ولقد صرفنا في هذا القرآن} معترضة مقترنة بواو الاعتراض... والضمير عائد إلى الذين عبدوا الملائكة وزعموهم بنات الله... وهو [أي يذّكّروا] من الذُكْر المضموم الذال الذي هو ضد النسيان... وضمير {ليذكروا} عائد إلى معلوم من المقام دل عليه قوله: {أفأصفاكم ربكم بالبنين} [الإسراء: 40] أي ليذكر الذين خوطبوا بالتوبيخ في قوله: {أفأصفاكم ربكم} [الإسراء: 40]، فهو التفات من الخطاب إلى الغيبة، أو من خطاب المشركين إلى خطاب المؤمنين... وقوله: {وما يزيدهم إلا نفوراً} تعجب من حالهم... وجملة {وما يزيدهم إلا نفوراً} في موضع الحال، وهو حال مقصود منه التعجيب من حال ضلالتهم. إذ كانوا يزدادون نفوراً من كلام فُصّل وبُين لتذكيرهم. وشأن التفصيل أن يفيد الطمأنينة للمقصود. والنفور: هروب الوحشي والدابة بجَزع وخشيةٍ من الأذى. واستعير هنا لإعراضهم تنزيلاً لهم منزلة الدواب والأنعام...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

أكد الله تعالى أنه يصرف القول في القرآن، فقال: {ولقد صرفنا في هذا القرآن}، أي صدقنا عباراته ومعانيه، فأحيانا تكون قصصا فيها العبر، وأحيانا تكون بالأمثال يضربها، وأحيانا يقرر الحقائق بطريق الاستفهام، وأحيانا ينفيها، ويستنكرها، وهو في كل ذلك ينتقل من إقرار حكيم معجز إلى مثله... وقد صرف الله سبحانه في القرآن ذلك التصريف {ليذكروا}، أي ليملأوا قلوبهم بذكر الله وليعتبروا بعبره، وليروه فيه الكلام المعجز الذي يذكرهم برسالة النبي ليؤمنوا. ولكن المتعنت المعاند لا يقنعه الدليل ولا يزيده إيمانا بل إن عناده وطغيانه يزيده استمساكا بضلاله وإصرارا على كفره، ولذا قال: {وما يزيدهم إلا نفورا}، أي إلا بعدا عن الحق نافرين منه...

والنفور كما أشرنا الإيغال في الضلال والإمعان فيه، وأي ضلال أشد من النفور من الحق واجتنابه...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

فمعنى: {ولقد صرفنا في هذا القرآن} أي: صرف مسألة ادعاء اتخاذ الله الأبناء في القرآن، وعالجها في كثير من المسائل؛ لأنه أمر مهم عالجه القرآن علاجات متعددة في مقامات مختلفة من سوره، فتكرر ذكر هذه المسألة. والتكرار قد يكون في ذات الشيء، وقد يكون باللف بالشيء...

وقوله: {وما يزيدهم إلا نفوراً} أي: بدل أن يذكروا ويعودوا إلى جادة الصواب ازدادوا إعراضاً ونفوراً. ولنا أن نسأل: لماذا الإعراض والنفور منهم؟ لأنهم أرادوا الاحتفاظ بالسلطة الزمنية التي كانت لهم قبل الإسلام، ولكي نوضح المقصود بالسلطة الزمنية نقول: لو درسنا تواريخ القوانين في العالم نجد أن القانون الوضعي الذي وضعه البشر لم يأت أول الأمر، بل جاء نتيجة تسلط الكهنة، وكانوا هم أصحاب القانون يضعونه باسم الدين، ويلزمون الناس به، ولكن لوحظ عليهم أنهم يحكمون في قضية ما بحكم، ثم بعد فترة يحكمون في نفس القضية بحكم مخالف للأول، فانصرف الناس عن أحكام الكهنة، ووضعوا لأنفسهم هذه القوانين الوضعية، وبذلك أصبح لهؤلاء ما يسمى بالسلطة الزمنية. وهذه السلطة الزمنية هي التي منعت يهود المدينة من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا على علم ومعرفة بأوصافه وبرسالته ومن زمن بعثته، وكانوا حينما يرون عباد الأصنام في مكة يقولون لهم: سيأتي زمان يبعث فيه نبي في هذا البلد، وسوف نتبعه، ونقتلكم به قتل عاد وإرم، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به، وقد كانوا من قبل يستفتحون به على الذين كفروا. وعن هذا يقول الحق سبحانه في حق يهود المدينة: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين "89 "} (سورة البقرة): لقد تنكر اليهود لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، مع أنهم على يقين من صدقه؛ لأن هذه الرسالة ستحرمهم هذه السلطة الزمنية، وستقضي على السيادة العلمية والسيادة الاقتصادية والسيادة الحربية التي كانت لهم قبل الإسلام...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُواْ} وذلك بما أثرناه فيه من تنوُّع الأساليب، من أجل أن يلائم كل الأفكار، ويلتقي بالحقيقة من أكثر من طريق، فإذا لم يقتنع البعض بالفكرة من خلال أسلوبٍ، اقتنع بأسلوبٍ آخر، وإذا لم ينسجم مع بعض المفاهيم أو الأمثلة، أمكنه أن يجد الانسجام في مفهومٍ آخر أو مثل آخر، ليعيش الناس الوعي القرآني في كل آية من آياته، وفي كل فكرة من أفكاره، فيكون ذكرى لهم من خلال ما تطرحه الآيات أمامهم من علامات الاستفهام، أو تواجههم به من مشاكل المعرفة أو أخطار النتائج السيّئة في مسألة المصير. ولكن مشكلة هؤلاء أنهم يرفضون التفكير، لأنهم لا يريدون أن يغيّروا ما اعتادوه وألفوه في معتقداتهم وعاداتهم وتقاليدهم، ما يجعل من أيّة دعوةٍ تغييريةٍ سبباً في تعقيد مواقفهم، وإثارة مشاعرهم، ونفورهم من الداعي ودعوته، لأن ذلك يؤدي إلى إحراجهم وتعرية أوضاعهم عندما ينكشف الزيف الذي يختبئون خلفه، فيبدو أمرهم للناس في صورة الذي ينكر الحقيقة في مواقع الوضوح، لا في مواقع الغموض، وهكذا يواجهون ما يتلو عليهم الدعاة من القرآن... {وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا} فكل آية يسمعونها تثير الحقد في نفوسهم بدلاً من المحبة، والجهل بدلاً من المعرفة، لأنهم يتحركون في مواجهتهم له من موقع عقدة، لا من موقع تفكير ووعي وإخلاص، ولكن القرآن يبقى في آياته عنصر توعية وتذكير، في مجالات الدعوة والتحدّي، ليكون حجّةً عليهم أمام الله، وشاهداً على جهلهم وعنادهم، وقد كان الشعار النبويّ في حركة الرسالات في الدعوة {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42]...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

كيف يفرّون من الحق؟ كان الحديث في الآيات السابقة يتعلّق بقضيتي التوحيد والشرك، لذا فإنَّ هَذهِ الآيات تتابع هذا الموضوع بوضوح وَقاطعية أكبر. ففي البداية تتحدث عن لجاجة بعض المشركين وعنادهم في قبال أدلة التوحيد فتقول: (وَلَقد صرَّفنا في هَذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إِلاَّ نفوراً).

القرآن الكريم يريد أن يقول: إنّنا سلكنا مُختلف الطرق، وَفتحنا مُختلف الأبواب مِن أجل أن ننير قلوب هؤلاء العميان بضياء التوحيد، ولكن مجموعة مِن هَؤلاء وصل بهم التعصب والعناد واللجاجة إلى درجة أنَّ كل هَذِهِ الوسائل لم تؤثر في جذبهم إلى الحقيقة، بل إنّها زادت في ابتعادهم ونفورهم... وَهُنا قد يطرح هَذا السؤال: إِذاً ما الفائدة مِن ذكر كلّ ذلك، إذا كانت النتائج. معكوسة؟ إِنَّ جواب هَذا السؤال واضح، إِذ أنَّ القرآن لم ينزل لفرد أو لمجموعة خاصّة، وَلكنَّه للمجتمع كافّة، وَطبيعي أن جميع الناس ليسوا على منوال المعاندين، إذ هُناك الكثير ممن يتبع طريق الحق إذا استبانت له أدلته مِن هَذا النوع مِن الأدلّة القرآنية، بالرغم من أنّها تؤدي بمجموعة أُخرى مِن فاقدي بصيرة القلب إلى المزيد مِن العناد. إضافة إلى أنَّ وجود هؤلاء المعاندين مفيد للمجموعة الأُخرى التي تقبل الحق وتَنصاع إليه، إذ يستبين من ينصاع للحق طريقة مِن خلال النظر إلى سلوك المعاندين إذ أنّ تقابل الظّلمة والنّور يوضح قيمة النور أكثر (الأشياء تعرفُ بأضدادها) كما أن تعلم الأخلاق والآداب يمكن أن يتمّ أحياناً بتوسط عديمي الأدب والخلق...