الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا نُفُورٗا} (41)

قوله تعالى : " ولقد صرفنا " أي بينا . وقيل كررنا . { في هذا القرآن } قيل : " في " زائدة ، والتقدير : ولقد صرفنا هذا القرآن ، مثل : { وأصلح لي في ذريتي }{[10247]} أي أصلح ذريتي . والتصريف : صرف الشيء من جهة إلى جهة . والمراد بهذا التصريف البيان والتكرير . وقيل : المغايرة ، أي غايرنا بين المواعظ ليذكروا ويعتبروا ويتعظوا . وقراءة العامة " صرفنا " بالتشديد على التكثير حيث وقع . وقرأ الحسن بالتخفيف . قال الثعلبي : سمعت أبا القاسم الحسين يقول بحضرة الإمام الشيخ أبي الطيب : لقوله تعالى : " صرفنا " معنيان : أحدهما لم يجعله نوعا واحدا بل وعدا ووعيدا ومحكما ومتشابها ونهيا وأمرا وناسخا ومنسوخا وأخبارا وأمثالا ، مثل تصريف الرياح من صبا ودبور وجنوب وشمال ، وصريف الأفعال من الماضي والمستقبل والأمر والنهي والفعل والفاعل والمفعول ونحوها . والثاني : أنه لم ينزل مرة واحدة بل نجوما ، نحو قوله " وقرآنا فرقناه{[10248]} " [ الإسراء : 106 ] ومعناه : أكثرنا صرف جبريل عليه السلام إليك . وقوله " في هذا القرآن " قيل " في " زائدة ، والتقدير : ولقد صرفنا هذا القرآن ، مثل " وأصلح لي في ذريتي " [ الأحقاف : 15 ] أي أصلح ذريتي . وقوله " في هذا القرآن " يعني الأمثال والعبر والحكم والمواعظ والأحكام والإعلام .

قوله تعالى : " ليذكروا " قراءة يحيى والأعمش وحمزة والكسائي " ليذكروا " مخففا ، وكذلك في الفرقان " ولقد صرفناه بينهم ليذكروا{[10249]} " [ الفرقان :50 ] . الباقون بالتشديد . واختاره أبو عبيد ؛ لأن معناه ليتذكروا وليتعظوا . قال المهدوي : من شدد " ليذكروا " أراد التدبر . وكذلك من قرأ " ليذكروا " . ونظير الأول " ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون{[10250]} " [ القصص : 51 ] والثاني : " واذكروا ما فيه{[10251]} " [ البقرة : 63 ]

قوله تعالى : " وما يزيدهم " أي التصريف والتذكير .

قوله تعالى : " إلا نفورا " أي تباعدا عن الحق وغفلة عن النظر والاعتبار ، وذلك لأنهم اعتقدوا في القرآن أنه حيلة وسحر وكهانة وشعر .


[10247]:راجع ج 16 ص 195.
[10248]:راجع ص 139 من هذا الجزء.
[10249]:راجع ج 13 ص 57 و ص 294 فما بعد.
[10250]:راجع ج 13 ص 57 و ص 294 فما بعد.
[10251]:راجع ج 1 ص 436.