البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَا فِي هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لِيَذَّكَّرُواْ وَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا نُفُورٗا} (41)

ومعنى { صرّفنا } نوَّعنا من جهة إلى جهة ومن مثال إلى مثال ، والتصريف لغة صرف الشيء من جهة إلى جهة ثم صار كناية عن التبيين .

وقرأ الجمهور { وصرّفنا } بتشديد الراء .

فقال : لم نجعله نوعاً واحداً بل وعداً ووعيداً ، ومحكماً ومتشابهاً ، وأمراً ونهياً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وأخباراً وأمثالاً مثل تصريف الرياح من صبا ودبور وجنوب وشمال ، ومفعول { صرّفنا } على هذا المعنى محذوف وهي هذه الأشياء أي : صرّفنا الأمثال والعبر والحكم والأحكام والأعلام .

وقيل : المعنى لم ننزله مرة واحدة بل نجوماً ومعناه أكثرنا صرف جبريل إليك والمفعول محذوف أي { صرّفنا } جبريل .

وقيل : { في } زائدة أي { صرّفنا } { هذا القرآن } كما قال { وأصلح لي في ذريتي } وهذا ضعيف لأن في لا تزاد .

وقال الزمخشري : يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى الله البنات لأنه مما صرفه وكرر ذكره ، والمعنى ولقد { صرّفنا } القول في هذا المعنى ، وأوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكاناً للتكرير ، ويجوز أن يشير بهذا { القرآن } إلى التنزيل ، ويريد ولقد صرفناه يعني هذا المعنى في مواضع من التنزيل ، فترك الضمير لأنه معلوم انتهى .

فجعل التصريف خاصاً بما دلت عليه الآية قبله وجعل مفعول { صرفنا } أما القول في هذا المعنى أو المعنى وهو الضمير الذي قدره في صرفناه وغيره جعل التصريف عامّاً في أشياء فقدر ما يشمل ما سيق له ما قبله وغيره .

وقرأ الحسن بتخفيف الراء .

فقال صاحب اللوامح : هو بمعنى العامة يعني بالعامة قراءة الجمهور ، قال : لأن فعل وفعل ربما تعاقبا على معنى واحد .

وقال ابن عطية : على معنى صرفنا فيه الناس إلى الهدى بالدعاء إلى الله .

وقرأ الجمهور { ليذّكروا } أي ليتذكروا من التذكير ، أدغمت التاء في الذال .

وقرأ الأخوان وطلحة وابن وثاب والأعمش ليذكروا بسكون الذال وضم الكاف من الذكر أو الذكر ، أي ليتعظوا ويعتبروا وينظروا فيما يحتج به عليهم ويطمئنوا إليه { وما يزيدهم } أي التصريف { إلاّ نفوراً } أي بعداً وفراراً عن الحق كما قال : { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } وقال : { فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمُر مستنفرة }

والنفور من أوصاف الدواب الشديدة الشماس ، ولما ذكر تعالى نسبة الولد إليهم ورد عليهم في ذلك ذكر قولهم إنه تعالى معه آلهة وردَّ عليهم .