تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّٗا وَيَحِقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (70)

أي : لينذر هذا القرآن البيّن كلّ حي على وجه الأرض ، كقوله : { لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [ الأنعام : 19 ] ، وقال : { وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ } [ هود : 17 ] . وإنما ينتفع بنذارته من هو حَيّ القلب ، مستنير البصيرة ، كما قال قتادة : حي القلب ، حي البصر . وقال الضحاك : يعني : عاقلا { وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } أي : هو رحمة للمؤمن ، وحجة على الكافر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّٗا وَيَحِقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (70)

{ لينذر } القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويؤيده قراءة نافع وابن عامر ويعقوب بالتاء . { من كان حيا } عاقلا فهما فإن الغافل كالميت ، أو مؤمنا في علم الله تعالى فإن الحياة الأبدية بالأيمان ، وتخصيص الإنذار به لأنه المنتفع به . { ويحق القول } وتجب كلمة العذاب . { على الكافرين } المصرين على الكفر ، وجعلهم في مقابلة من كان حيا إشعارا بأنهم لكفرهم وسقوط حجتهم وعدم تأملهم أموات في الحقيقة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّٗا وَيَحِقَّ ٱلۡقَوۡلُ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ} (70)

ويتعلق قوله : { لِتْنذِرَ } بقوله : { عَلَّمْناهُ } باعتبار ما اتصل به من نفي كونه شعراً ثم إثباتتِ كونه ذكراً وقرآناً ، أي لأن جملة { إن هو إلا ذكر } بيان لما قبلها في قوة أن لو قيل : وما علمناه إلا ذكراً وقرآناً مبيناً لينذر أو لتنذر . وجعلهُ ابن عطية متعلقاً ب { مُبِينٌ } .

وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب { لَتُنذِرَ } بتاء الخطاب على الالتفات من ضمير الغيبة في قوله : { عَلَّمْناهُ } إلى ضمير الخطاب . وقرأه الباقون بياء الغائب ، أي لينذر النبي الذي علمناه .

والإِنذار : الإِعلام بأمر يجب التوقي منه .

والحيّ : مستعار لكامل العقل وصائب الإِدراك ، وهذا تشبيه بليغ ، أي مَن كان مثل الحي في الفهم .

والمقصود منه : التعريض بالمُعرِضين عن دلائل القرآن بأنهم كالأموات لا انتفاع لهم بعقولهم كقوله تعالى : { إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين } [ النمل : 80 ] .

وعطف { ويَحِقَّ القولُ على الكافِرِينَ } على { لِتُنذِرَ } عطفَ المجاز على الحقيقة لأن اللام النائب عنه واو العطف ليس لام تعليل ولكنه لام عاقبة كاللام في قوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } [ القصص : 8 ] . ففي الواو استعارة تبعية ، وهذا قريب من استعمال المشترك في معنييه . وفي هذه العاقبة احتباك إذ التقدير : لتنذر من كان حيّاً فيزداد حياة بامتثال الذكر فيفوز ومن كان ميتاً فلا ينتفع بالإِنذار فيحق عليه القول ، كما قال تعالى في أول السورة :

{ إنَّما تُنذِرُ مَن اتَّبَعَ الذِّكر وخَشِيَ الرحمن بالغيبِ فبشرْهُ بمغْفِرَةٍ وأجْرٍ كَرِيمٍ } [ يس : 11 ] ، فجمع له بين الإِنذار ابتداء والبشارة آخراً .

و { القول } : هو الكلام الذي جاء بوعيد من لم ينتفعوا بإنذار الرسول صلى الله عليه وسلم .

والمراد بالكافرين : المستمرون على كفرهم وإلا فإن الإِنذار ورد للناس أول ما ورد وكلهم من الكافرين .

وفي ذكر الإِنذار عوْد إلى ما ابتدئت به السورة من قوله : { لتنذر قوماً ما أُنذِرَ ءَاباؤُهم فهم غافِلُونَ } [ يس : 6 ] فهو كرد العجز على الصدر ، وبذلك تمّ مجال الاستدلال عليهم وإبطال شبههم وتخلص إلى الامتنان الآتي في قوله : { أوّلَمْ يَروا أنَّا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعَاماً } [ يس : 71 ] إلى قوله : { أفلا يشكرون } [ يس : 73 ] .