أي : هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قُربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه ، هي حدود الله فلا تعتدوها ولا تجاوزوها ؛ ولهذا قال : { وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : فيها ، فلم يزد بعض الورثة ولم{[6770]} ينقص بعضًا بحيلة ووسيلة ، بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته { يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } أي ، لكونه غيَّر ما حكم الله به وضاد الله في حكمه . وهذا إنما يصدر عن{[6771]} عدم الرضا بما قسم الله وحكم به ، ولهذا يجازيه بالإهانة في العذاب الأليم المقيم .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا مَعْمَر ، عن أيوب ، عن أشعث بن عبد الله ، عن شَهْر ابن حَوْشَب ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرَّجُلَ لَيَعْمَل بعمل أهل الخير سبعين سَنةً ، فإذا أوْصَى حَافَ في وصيته ، فيختم{[6772]} بشر عمله ، فيدخل النار ؛ وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة ، فيعدل في وصيته ، فيختم له بخير عمله فيدخل{[6773]} الجنة " . قال : ثم يقول أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } إلى قوله : { عَذَابٌ مُهِينٌ }{[6774]} .
[ و ]{[6775]} قال أبو داود في باب الإضرار في الوصية من{[6776]} سننه : حدثنا عَبْدَة{[6777]} بن عبد الله أخبرنا عبد الصمد ، حدثنا [ نصر ]{[6778]} بن علي الحُدَّاني ، حدثنا الأشعث بن عبد الله بن جابر الحُدَّاني ، حدثني شَهْرُ بن حَوشَب : أن أبا هريرة حدثه : أن رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ، ثم يحضرهما الموت فَيُضَاران في الوصية ، فتجب لهما النار " وقال : قرأ عليّ أبو هريرة من هاهنا : { مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ } حتى بلغ : { [ وَ ]{[6779]} ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .
وهكذا{[6780]} رواه الترمذي وابن ماجه من حديث ابن عبد الله بن جابر الحُدَّاني به ، وقال الترمذي : حسن غريب ، وسياق الإمام أحمد أتم وأكمل{[6781]} .
وقوله : { تلك حدود الله } الآية { تلك } إشارة إلى القسمة المتقدمة في المواريث ، والحد : الحجز المانع لأمر ما أن يدخل على غيره أو يدخل عليه غيره ، ومن هذا قولهم للبواب حداد لأنه يمنع ، ومنه إحداد المرأة وهو امتناعها عن الزينة ، هذا هو الحد في هذه الآية ، وقوله : { من تحتها } يريد من تحت بنائها ، وأشجارها الذي من أجله سميت جنة ، لأن أنهار الجنة إنما هي على وجه أرضها في غير أخاديد ، وحكى الطبري : أن الحدود عند السدي هنا شروط الله ، وعند ابن عباس : طاعة الله ، وعند بعضهم ، سنة الله ، وعند بعضهم ، فرائض الله ، وهذا كله معنى واحد وعبارة مختلفة ، و { خالدين } قال الزجاج : هي حالة على التقدير ، أي مقدرين { خالدين فيها } وجمع { خالدين } على معنى { من } بعد أن تقدم الإفراد مراعاة للفظ { من } وعكس هذا لا يجوز .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.