تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (21)

ثم قال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } يعني : طرائقه ومسالكه وما يأمر به ، { وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } : هذا تنفير وتحذير من ذلك ، بأفصح العبارة وأوجزها وأبلغها وأحسنها .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } : عمله . وقال عكرمة : نزغاته . وقال قتادة : كل معصية فهي من خطوات الشيطان . وقال أبو مِجْلَز : النذور في المعاصي من خطوات الشيطان .

وقال مسروق : سأل رجل ابن مسعود فقال : إني حرمت أن آكل طعامًا ؟ فقال : هذا من نزعات الشيطان ، كَفِّر عن يمينك ، وكُل .

وقال الشعبي في رجل نَذَر ذَبْح ولده : هذا من نزغات الشيطان ، وأفتاه أن يذبح كبشًا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا حسان بن عبد الله المصري ، حدثنا السريّ بن يحيى ، عن سليمان التيمي ، عن أبي رافع قال : غضبت عليَّ امرأتي فقالت : هي يومًا يهودية ، ويومًا نصرانية ، وكل مملوك لها حر ، إن لم تطلق امرأتك . فأتيت عبد الله بن عمر فقال : إنما هذه من نزغات الشيطان . وكذلك قالت زينب بنت أم سلمة ، وهي يومئذ أفقه امرأة بالمدينة ، وأتيت عاصم بن عمر ، فقال مثل ذلك .

ثم قال تعالى : { وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا } أي : لولا هو يرزق من يشاء التوبة والرجوع إليه ، ويزكي النفوس من شركها وفجورها ودسها وما فيها من أخلاق رديئة ، كل بحسبه ، لما حصل أحد لنفسه زكاة ولا خيرا { وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } أي : من خلقه ، ويضل من يشاء ويرديه في مهالك الضلال والغي .

وقوله : { وَاللَّهُ سَمِيعٌ } أي : سميع لأقوال عباده{[20935]} { عليم } بهم ، مَنْ يستحق منهم الهدى والضلال .


[20935]:- في ف : "العباد".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (21)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان } بإشاعة الفاحشة ، وقرئ بفتح الطاء وقرأ نافع والبزي وأبو عمرو وأبو بكر وحمزة بسكونها . { ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر } بيان لعلة النهي عن اتباعه ، و " الفحشاء " ما أفرط قبحه ، و " المنكر " ما أنكره الشرع . { ولولا فضل الله عليكم ورحمته } بتوفيق التوبة الماحية للذنوب وشرع الحدود المكفرة لها { ما زكى } ما طهر من دنسها { منكم من أحد أبدا } آخر الدهر . { ولكن الله يزكي من يشاء } بحمله على التوبة وقبولها . { والله سميع } لمقالهم . { عليم } بنياتهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ وَمَن يَتَّبِعۡ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَإِنَّهُۥ يَأۡمُرُ بِٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۚ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ أَبَدٗا وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (21)

هذا الخطاب عام لجميع المؤمنين ، و { خطوات } جمع خطوة وهي ما بين القدمين في المشي فكأن المعنى لا تمشوا في سبله وطرقه من الأفعال الخبيثة ، وقال منذر بن سعيد يجوز أَن يكون { خطوات } جمع خطأ من الخبيثة ، وسهلت الهمزة فنطق بها { خطوات } وقرأ بضم الطاء من «خُطوات » الجمهور ، وقرأ بسكونها عاصم{[8644]} والأعمش ، وقرأ الجمهور «ما زكى » ، بتخفيف الكاف أَي ما اهتدى ولا أسلم ولا عرف رشداً ، وقرأ أبو حيوة والحسن «زكّى » بشد الكاف أي تزكيته لكم وتطهيره وهدايته إنما هي بفضله لا بأعمالهم وتحرزكم من المعاصي ، ثم ذكر تعالى أنه { يزكي من يشاء } ممن سبقت له السعادة وكان عمله الصالح أمارة على سبق السعادة له ، ثم أخبر بأنه { سميع } لجميع أقوالهم وكلامهم من قذف وغيره ، { عليم } بحق ذلك من باطله لا يجوز عليه في ذلك وهم ولا غلط .


[8644]:في رواية أبي بكر عنه، أما رواية حفص فهي بضم الطاء كما هي ثابتة في المصحف الشريف.