يقول تعالى مخبرًا وحاكمًا بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم - وهو عبدٌ من عباد الله ، وخلق من خلقه - أنه هو الله ، تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرًا .
ثم قال مخبرًا عن قدرته على الأشياء وكونها تحت قهره وسلطانه : { قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا } أي : لو أراد ذلك ، فمن ذا الذي كان يمنعه{[9441]} ؟ أو من{[9442]} ذا الذي يقدر على صرفه عن ذلك ؟
ثم قال : { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ } أي : جميعُ الموجودات ملكهُ وخلقه ، وهو القادر على ما يشاء ، لا يُسأل عما يفعل ، لقدرته وسلطانه ، وعدله وعظمته ، وهذا رد على النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة{[9443]} إلى يوم القيامة .
{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } هم الذين قالوا بالاتحاد منهم ، وقيل لم يصرح به أحد منهم ولكن لما زعموا أن فيه لاهوتا وقالوا لا إله إلا الله واحد لزمهم أن يكون هو المسيح فنسب إليهم لازم قولهم توضيحا لجهلهم وتفضيحا لمعتقدهم . { قل فمن يملك من الله شيئا } فمن يمنع من قدرته وإرادته شيئا . { إن أراد أن يهلك المسيح } عيسى . { ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا } احتج بذلك على فساد عقولهم وتقريره : أن المسيح مقدور مقهور قابل للفناء كسائر الممكنات ومن كان كذلك فهو بمعزل عن الألوهية . { ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير } إزاحة لما عرض لهم من الشبهة في أمره ، والمعنى أنه سبحانه وتعالى قادر على الإطلاق يخلق من غير أصل كما خلق السماوات والأرض ، ومن أصل كخلق ما بينهما فينشئ من أصل ليس من جنسه كآدم وكثير من الحيوانات ، ومن أصل يجانسه إما من ذكر وحده كما خلق حواء أو من أنثى وحدها كعيسى ، أو منهما كسائر الناس .
ثم أخبر تعالى بكفر النصارى القائلين بأن الله هو المسيح ، وهذه فرقة من النصارى وكل فرقهم على اختلاف أقوالهم يجعل للمسيح عليه السلام حظاً من الألوهية ، وقد تقدم القول في لفظ { المسيح } في سورة آل عمران ، ثم رد عليهم تعالى قوله لنبيه : { قل فمن يملك من الله شيئاً } أي لا مالك ولا رادَّ لإرادة الله تعالى في المسيح ولا في غيره فهذا مما تقضي العقول معه أن من تنفذ الإرادة فيه ليس بإله ، ثم قرر تعالى ملكه في السموات والأرض وما بينهما فحصل المسيح عليه السلام أقل أجزاء ملك الله تعالى ، وقوله تعالى : { يخلق ما يشاء } إشارة إلى خلقه المسيح في رحم مريم من غير والد . بل اختراعاً كآدم عليه السلام ، وقد تقدم في آل عمران الفرق بين قوله تعالى في قصة زكرياء { يفعل ما يشاء } [ آل عمران : 40 ] وفي قصة مريم { يخلق ما يشاء } وقوله تعالى : { والله على كل شيء قدير } عموم معناه الخصوص في ما عدا الذات والصفات والمحالات ، والشيء في اللغة هو الموجود .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.