فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ أَن يُهۡلِكَ ٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗاۗ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (17)

{ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو } ضمير الفصل يفيد الحصر { المسيح بن مريم } قيل وقد قال بذلك طوائف النصارى ، وقال ابن عباس : هؤلاء نصارى نجران وهو مذهب اليعقوبية والملكانية من النصارى ، وقيل لم يقل به أحد منهم ولكن استلزم قولهم إن الله هو المسيح لا غيره وقد تقدم في آخر سورة النساء ما يكفي ويغني عن التكرار .

{ قل فمن يملك من الله شيئا } الاستفهام للتوبيخ والتقريع ، والملك الضبط والحفظ والقدرة من قولهم ملكت على فلان أي قدرت عليه أي فمن يقدر أن يمنع .

{ إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه } وإذا لم يقدر أحد أن يمنع من ذلك فلا إله إلا الله ولا رب غيره ولا معبود بحق سواه ، ولو كان المسيح إلها كما يزعم النصارى لكان له من الأمر شيء ولقدر أن يدفع عن نفسه أقل حال ، ولم يقدر على أن يدفع عن أمه الموت عند نزوله بها .

وتخصيصها بالذكر مع دخولها في العموم { ومن في الأرض جميعا } لكون الدفع منه عنها أولى وأحق من غيرها فهو إذا لم يقدر على الدفع عنها أعجز عن أن يدفع عن غيرهما ، وذكر من في الأرض للدلالة على شمول قدرته وأنه إذا أراد شيئا كان لا معارض له في أمره ، ولا مشارك في قضائه .

{ ولله ملك السماوات والأرض وما ينهما } أي ما بين النوعين من المخلوقات فإنها ملكه وأهلها عبيده ، وعيسى وأمه من جملة عبيده .

{ يخلق ما يشاء } جملة مستأنفة مسوقة لبيان أنه سبحانه خلق الخلق بحسب مشيئته من غير اعتراض عليه فيما خلق ، لأنه خلق آدم من غير أب وأم وخلق عيسى من أم بلا أب ، وخلق سائر الخلق من أب وأم { والله على كل شيء قدير } لا يستصعب عليه شيء .