تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ مَرۡيَمَۚ قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ أَن يُهۡلِكَ ٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗاۗ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۚ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (17)

التفسير :

17- لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ . . . الآية

خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه وأسكنه الجنة وخلق حواء من آدم ؛ لتكون له مسكنا وأمنا .

فآدم مخلوق بدون أب وأم ، وحواء من أب دون أم وعيسى من أم دون أب . قال تعالى : إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ . ( آل عمران : 59 )

فقدرة الله على الخلق والإيجاد معروفة ملموسة ، قال تعالى : إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . ( يس : 82 ) .

وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير ، ومن قدرة الله أن أتم خلق عيسى بواسطة نفخ جبريل في جيب درع مريم .

ولما كان خلق عيسى بدون أب ، غلا في النصارى فزعموا أنه إله أو ابن الله ، ولهذا القول الشنيع حكم القرآن عليهم بالكفر ورد عليهم بما يبطل عقيدتهم حيث قال :

لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا . . .

أي : قل لأولئك الكفار- يا محمد- : من يقدر أن يمنع الله من شيء أراده . . ومن ذلك أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ؟ . . لا أحد يستطيع ذلك . . . وهم يقرون به .

وإذا كان المسيح لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ولا عن أمه- شيئا ؟ فكيف يكون إلها وهو لا يستطيع دفع الهلاك عن نفسه ؟ .

يقول صاحب الظلال : العقيدة المسيحية انتهت إلى : أن يجعل المسيح هو الله- وإن كانت تقول : بالتثليت كذلك- باعتبارقولهم : الله الأب والله الابن ، والله روح القدس ، وتفسيرهم لهذا التعقيد بأن الله واحد ولكن الأقانيم ثلاثة موحدة في الله الواحد . . والإسلام يقول : فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا . فيفرق تفرقة مطلقة بين ذات الله ، وذات عيسى رسول الله ، ويقيم التوحيد كاملا دقيقا واضحا لا يحتاج إلى تأويلات غامضة يعز على العقل قبولها ؛ لأنه يعز عليه تصورها من وراء تلك المعميات {[190]} .

وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا . فهو سبحانه وحده له ملك جميع الموجودات ، وله وحده التصرف المطلق فيها ، إحياء وإماتة وإيجادا وإعداما فلا شريك له في ذلك .

يَخْلُقُ مَا يَشَاء . أي : يبدع ما يشاء من المخلوقات-على أي صورة- وفقا لحكمته جلا وعلا .

وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وهو القادر على كل شيء من الخلق وغيره ، ومن ذلك أنه خلق عيسى من غير أب كم خلق آدم من غير أب ولا أم .


[190]:في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب 6/43.