وقوله : { لا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ } أي : شكا ونفاقا بسبب إقدامهم على هذا الصنيع الشنيع ، أورثهم نفاقا في قلوبهم ، كما أشرب عابدو العجل حبه .
وقوله : { إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } أي : بموتهم . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وزيد بن أسلم ، والسدي ، وحبيب بن أبي ثابت ، والضحاك ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغير واحد من علماء السلف .
{ وَاللَّهُ عَلِيمٌ } أي : بأعمال خلقه ، { حَكِيمٌ } في مجازاتهم عنها ، من خير وشر . {[13876]}
{ لا يزال بُنيانهم الذي بنوا } بناؤهم الذي بنوه مصدر أريد به المفعول وليس بجمع ولذلك قد تدخله التاء ووصف بالمفرد واخبر عنه بقوله : { ريبة في قلوبهم } أي شكا ونفاقا ، والمعنى أن بناءهم هذا لا يزال سبب شكهم وتزايد نفاقهم فإنه حملهم على ذلك ثم لما هدمه الرسول صلى الله عليه وسلم رسخ ذلك في قلوبهم وازداد بحيث لا يزول وسمه عن قلوبهم . { إلا أن تقطّع قلوبهم } قطعا بحيث لا يبقى لها قابلية الإدراك وهو في غاية المبالغة والاستثناء . من أعم الأزمنة . وقيل المراد بالتقطع ما هو كائن بالقتل أو في القبر أو في النار . وقيل التقطع بالتوبة ندما وأسفا . وقرأ يعقوب " إلى " بحرف الانتهاء و{ تقطع } بمعنى تتقطع وهو قراءة ابن عامر وحمزة وحفص . وقرئ " يقطع " بالياء و{ تقطع } بالتخفيف و{ تقطع قلوبهم } على خطاب الرسول ، أو كل مخاطب ولو قطعت على البناء للفاعل والمفعول . { والله عليم } بنياتهم . { حكيم } فيما أمر بهدم بنيانهم .
الضمير في { بنيانهم } عائد على المنافقين البانين للمسجد ومن شاركهم في غرضهم ، وقوله { الذي بنوا } تأكيد وتصريح بأمر المسجد ورفع للإشكال ، و «الريبة » الشك ، وقد يسمى ريبة فساد المعتقد واضطرابه والاعتراض في الشيء والتحفظ فيه والحزازة من أجله وإن لم يكن شكاً ، فقد يرتاب من لا يشك ، ولكنها في معتاد اللغة تجري مع الشك ، ومعنى «الريبة » في هذه الآية أمر يعم الغيظ والحنق ويعم اعتقاد صواب فعلهم ونحو هذا مما يؤدي كله إلى الريبة في الإسلام ، فمقصد الكلام لا يزال هذا البنيان الذي هدم لهم يبقى في قلوبهم حزازة وأثر سوء ، وبالشك فسر ابن عباس الريبة هنا ، وفسرها السدي بالكفر ، وقيل له أفكفر مجمع بن جارية ؟ قال : لا ولكنها حزازة .
قال القاضي أبو محمد : ومجمع رحمه الله قد أقسم لعمر أنه ما علم باطن القوم ولا قصد سوءاً ، والآية إنما عنت من أبطن سوءاً فليس مجمع منهم ، ويحتمل أن يكون المعنى لا يزالون مريبين بسبب بنائهم الذي اتضح فيه نفاقهم ، وجملة هذا أن الريبة في الآية تعم معاني كثيرة يأخذ كل منافق منها بحسب قدره من النفاق ، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي «إلا أن تُقطع قلوبهم » بضم التاء وبناء الفعل للمفعول ، وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم بخلاف عن «إلا أن تَقطع » بفتح التاء على أنها فاعلة ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وقتادة ويعقوب : «إلى أن تقطع » على معنى إلى أن يموتوا ، وقرأ بعضهم : «إلى أن تقطع » وقرأ أبو حيوة «إلا أن يُقطِع » بالياء مضمومة وكسر الطاء ونصب «القلوبَ » أي بالقتل ، وأما على القراءة الأولى فقيل بالموت قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم ، وقيل ، بالتوبة وليس هذا بالظاهر إلا أن يتأول : أو يتوبوا توبة نصوحاً يكون معها من الندم والحسرة على الذنب ما يقطع القلوب هماً وفكرة ، وفي مصحف ابن مسعود «ولو قطعت قلوبهم » ، وكذلك قرأها أصحابه وحكاها أبو عمرو «وان قطَعت » بتخفيف الطاء ، وفي مصحف أبيّ «حتى الممات » وفيه «حتى تقطع » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.