{ لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم } : يحتمل أن يكون البنيان هنا مصدراً أي : لا يزال ذلك الفعل وهو البنيان ، ويحتمل أن يراد به المبني ، فيكون على حذف مضاف أي : لا يزال بناء المبنى .
قال ابن عباس : لا يزالون شاكين .
وقال حبيب بن أبي ثابت : غيظاً في قلوبهم ، أي سبب غيظ .
وقال عطاء : نفاقاً في قلوبهم .
وقال ابن جبير : أسفاً وندامة .
وقال ابن السائب ومقاتل : حسرة وندامة ، لأنهم ندموا على بنيانه .
وقال قتادة : في الكلام حذف تقديره : لا يزال هدم بنيانهم الذي بنوا ريبة أي : حزازة وغيظاً في قلوبهم .
وقال ابن عطية : الذي بنوا تأكيد وتصريح بأمر المسجد ورفع الإشكال ، والريبة الشك ، وقد يسمى ريبة فساد المعتقد واضطرابه ، والإعراض في الشيء والتخبيط فيه .
والحزازة من أجله ، وإن لم يكن شكا فقد يرتاب من لا يشك ، ولكنها في معتاد اللغة تجري مع الشك .
ومعنى الريبة في هذه الآية تعم الحيق ، واعتقاد صواب فعلهم ، ونحو هذا مما يؤدي كله إلى الريبة في الإسلام .
فمقصد الكلام : لا يزال هذا البنيان الذي هدم لهم يبقي في قلوبهم حزازة وأثر سوء .
وبالشك فسر ابن عباس الريبة هنا ، وفسرها السدي بالكفر .
وقيل له : أفكفر مجمع بن جارية ؟ قال : لا ، ولكنها حزازة .
قال ابن عطية : ومجمع رحمه الله ، قد أقسم لعمر أنه ما علم باطن القوم ، ولا قصد سوء .
والآية إنما عنت من أبطن سوءاً .
ويحتمل أن يكون المعنى لا يزالون مريبين بسبب بنيانهم الذي اتضح فيه نفاقهم .
وجملة هذا أنّ الريبة في الآية نعم معاني كثيرة يأخذ كل منافق منها بحسب قدره من النفاق .
وقال أبو عبد الله الرازي : جعل نفس البنيان ريبة لكونه سبباً لها ، وكونه سبباً لها أنه لما أمر بتخريب ما فرحوا ببنائه ثقل ذلك عليهم ، وازداد بعضهم له ، وارتيابهم في نبوته ، أو اعتقدوا هدمه من أجل الحسد ، فارتفع إيمانهم وخافوا الإيقاع بهم قتلاً ونهباً ، أو بقوا شاكين : أيغفر الله لهم تلك المعصية ؟ انتهى ، وفيه تلخيص .
وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص : إلا أن تقطع قلوبهم بفتح التاء أي : يتقطع ، وباقي السبعة بالضم ، مضارع قطع مبنياً للمفعول .
وقرأ الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، ويعقوب : إلى أن نقطع ، وأبو حيوة إلى أن تُقطع بضم التاء وفتح القاف وكسر الطاء مشددة ، ونصب قلوبهم خطاباً للرسول أي : تقتلهم ، أو فيه ضمير الريبة .
وفي مصحف عبد الله : ولو قطعت قلوبهم ، وكذلك قرأها أصحابه .
وحكى أبو عمرو هذه القراءة : إن قطعت بتخفيف الطاء .
وقرأ طلحة : ولو قطعت قلوبهم خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو كل مخاطب .
وفي مصحف أبي : حتى الممات ، وفيه حتى تقطع .
فمن قرأ بضم التاء وكسر الطاء ونصب القلوب فالمعنى : بالقتل .
وأما على من قرأه مبنياً للمفعول ، فقال ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم : بالموت أي : إلى أن يموتوا .
وقال عكرمة : إلى أن يبعث من في القبور .
وقال سفيان : إلى أن يتوبوا عما فعلوا ، فيكونون بمنزلة من قطع قلبه .
قال ابن عطية : وليس هذا بظاهر ، إلا أن يتأول أن يتوبوا توبة نصوحاً يكون معها من الندم والحسرة ما يقطع القلوب هماً .
وقال الزمخشري : لا يزال يبديه سبب شك ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم ، لا يزال وسمه في قلوبهم ولا يضمحل أمره إلا أن تقطع قلوبهم قطعاً وتفرق أجزاء ، فحينئذ يسألون عنه ، وأما ما دامت سليمة مجتمعة فالريبة قائمة فيها متمكنة .
ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها وما هو كائن منه بقتلهم ، أو في القبور ، أو في النار .
وقيل : معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندماً وأسفاً على تفريطهم .
والله عليم بأحوالهم ، حكيم فيما يجري عليهم من الأحكام ، أو عليم بنياتهم ، حكيم في عقوباتهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.