الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَا يَزَالُ بُنۡيَٰنُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوۡاْ رِيبَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَّآ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (110)

وقوله تعالى : { بُنْيَانُهُمُ } : يحتمل أن يكونَ مصدراً على حاله ، أي : لا يزال هذا الفعل الصادر منهم . ويحتمل أن يكونَ مراداً به المبني ، وحينئذٍ يُضْطَرُّ إلى حذف مضاف ، أي : بناء بنيانهم لأن المبنيَّ ليس ريبةً ، و يُقَدَّر الحذف من الثاني ، أي : لا يزال مبنيُّهم سببَ ريبة . وقوله : " الذي بَنَوا " تأكيدٌ دَفْعاً لوَهْم مَنْ يتوهَّم أنهم لم يَبْنُوا حقيقة وإنما دَبَّروا أموراً ، مِنْ قولهم : " كم أبني وتهدمُ " ، وعليه قوله :

2546 متى يبلغُ البُنيانُ يوماً تمامَه *** إذا كنت تَبْنِيه وغيرك يَهْدِم

قوله : { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ } المستثنى منه محذوفٌ والتقدير : لا يزال بنيانُهم ريبةً في كل وقت إلا وقتَ تقطيعِ قلوبهم ، أو في كل حال إلا حالَ تقطيعها . وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص " تَقَطَّع " بفتح التاء ، والأصل : تتقطع بتاءَيْن فحُذفت إحداهما . وقرأ الباقون " تُقَطَّع " بضمِّها ، وهو مبني للمفعول مضارع قَطَّع بالتشديد . وقرأ أُبَيّ " تَقْطَع " مخففاً مِنْ قطع . وقرأ الحسن ومجاهد وقتادة ويعقوب " إلى أن " بإلى الجارة وأبو حَيْوة كذلك . وهي قراءةٌ واضحةٌ في المعنى ، إلا أن أبا حيوة قرأ " تُقَطِّع " بضم التاء وفتح القاف وكسر الطاء مشددةً ، والفاعلُ ضميرُ الرسول . " قلوبَهم " نصباً على المفعول ، والمعنى بذلك أن يقتلهم ويتمكَّن منهم كلَّ تمكُّن . وقيل : الفاعلُ ضمير الرِّيبة ، أي : إلى أن تَقْطَع الرِّيبةُ قلوبَهم . وفي مصحف عبد الله " ولو قُطِّعَتْ " وبها قرأ أصحابُه ، وهي مخالفةٌ لسوادِ مصاحف الناس .