فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لَا يَزَالُ بُنۡيَٰنُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوۡاْ رِيبَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَّآ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (110)

ثم ذكر سبحانه أن بنيانهم هذا موجب لمزيد ريبهم واستمرار ترددهم وشكهم فقال : { لا يزال بنيانهم } مصدر بمعنى اسم المفعول { الذي بنوا ريبة في قلوبهم } أي شكا ونفاقا أي سبب ريبهم كأنه نفس الريبة أما حال بنائه فظاهر وأما حال هدمه فلأنه رسخ به ما كان في قلوبهم من الشر وتضاعفت آثاره وأحكامه ، وقيل معنى الريبة الحسرة والندامة لأنهم ندموا على بنيانه ، وقال المبرد أي حرارة وغيظا .

وقد كان هؤلاء الذين بنوا مسجد الضرار منافقين شاكين في دينهم ، ولكنهم ازدادوا بهدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفاقا وتصميما على الكفر ومقتا للإسلام لما أصابهم من الغيظ الشديد والغضب العظيم بهدمه .

ثم ذكر سبحانه ما يدل على استمرار هذه الريبة ودوامها وهو قوله : { إلا أن تقطع قلوبهم } قطعا وتتفرق أجزاء إما بالموت أو بالسيف ، وقيل في القبور أو في النار ، والمقصود أن هذه الريبة دائمة لهم ما داموا أحياء ، ويجوز أن يكون ذكر التقطع تصويرا لحال زوال الريبة وقيل معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم .

وقرئ تقطع بالتخفيف والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أي إلا أن تقطع يا محمد قلوبهم وتتمكن منهم كل التمكن ، وقرئ ولو تقطعت قلوبهم ، وقرئ شاذا على أن تقطع على الغاية أي لا يزالون كذلك إلى أن يموتوا والمستثنى منه محذوف ، والتقدير في كل وقت إلا وقت تقطيع قلوبهم ، أو في كل حال إلا حال تقطيعها { والله عليم } بعزائمهم { حكيم } في جزاء جرائمهم .