فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لَا يَزَالُ بُنۡيَٰنُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوۡاْ رِيبَةٗ فِي قُلُوبِهِمۡ إِلَّآ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (110)

ثم ذكر سبحانه أن بنيانهم هذا موجب لمزيد ريبهم ، واستمرار تردّدهم وشكهم فقال : { لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الذي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ } أي شكاً في قلوبهم ونفاقاً ، ومنه قول النابغة :

حلفت فلم أترك لنفسك ريبة *** وليس وراء الله للمرء مذهب

وقيل : معنى الريبة : الحسرة والندامة ، لأنهم ندموا على بنيانه . وقال المبرد : أي حرارة وغيظاً . وقد كان هؤلاء الذين بنوا مسجد الضرار منافقين شاكين في دينهم ، ولكنهم ازدادوا بهدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفاقاً وتصميماً على الكفر ، ومقتاً للإسلام ، لما أصابهم من الغيظ الشديد ، والغضب العظيم بهدمه ، ثم ذكر سبحانه ما يدلّ على استمرار هذه الريبة ودوامها ، وهو قوله : { إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ } أي : لا يزال هذا إلا أن تتقطع قلوبهم قطعاً ، وتتفرّق أجزاء : إما بالموت أو بالسيف ، والمقصود أن هذه الريبة دائمة لهم ما داموا أحياء ، ويجوز أن يكون ذكر التقطع تصويراً لحال زوال الريبة . وقيل معناه : إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندماً وأسفاً على تفريطهم . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، وحفص ، ويعقوب ، وأبو جعفر ، بفتح حرف المضارعة . وقرأ الجمهور بضمها . وروي عن يعقوب أنه قرأ «تقطع » بالتخفيف ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم : أي إلا أن تقطع يا محمد قلوبهم . وقرأ أصحاب عبد الله بن مسعود : «ولو تقطعت قلوبهم » . وقرأ الحسن ، ويعقوب ، وأبو حاتم : «إلى أن تقطع » على الغاية . أي لا يزالون كذلك إلى أن يموتوا .

/خ110