تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَيۡنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (22)

يقول تعالى مخبرًا عن المشركين : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا } يوم القيامة فيسألهم عن الأصنام والأنداد التي كانوا يعبدونها من دونه قائلا [ لهم ]{[10609]} { أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } كما قال تعالى في سورة القصص : { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } [ الآية : 62 ] .


[10609]:زيادة من أ.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ نَحۡشُرُهُمۡ جَمِيعٗا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَيۡنَ شُرَكَآؤُكُمُ ٱلَّذِينَ كُنتُمۡ تَزۡعُمُونَ} (22)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المفترين على الله كذبا والمكذّبين بآياته، لا يفلحون اليوم في الدنيا ولا يوم نحشرهم جميعا، يعني: ولا في الاَخرة. ففي الكلام محذوف قد استغني بذكر ما ظهر عما حذف.

وتأويل الكلام: إنه لا يفلح الظالمون اليوم في الدنيا "وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعا"، فقوله: «ويوم نحشرهم»، مردود على المراد في الكلام، لأنه وإن كان محذوفا منه فكأنه فيه لمعرفة السامعين بمعناه.

"ثم نَقُولُ للّذِينَ أشْرَكُوا أيْنَ شُرَكاؤُكُم": ثم نقول إذا حشرنا هؤلاء المفترين على الله الكذب بادّعائهم له في سلطانه شريكا والمكذّبين بآياته ورسله، فجمعنا جميعهم يوم القيامة: "أيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ "أنهم لكم آلهة من دون الله، افتراء وكذبا، وتدعونهم من دونه أربابا، فأتوا بهم إن كنتم صادقين.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ذكر ههنا شركاءكم؛ أضاف ذلك إليهم لأنهم كانوا من جنسهم وجوهرهم يفنون كما يفنون...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وتقدير الآية: اذكر يوم نحشرهم جميعا، يعني يوم القيامة، لأنهم يحشرون فيه جميعا من قبورهم إلى موضع الحساب، وأنه يقول -للذين أشركوا بالله، وعبدوا معه إلها غيره- في هذا اليوم: أين الذين كنتم تزعمون أنهم شركائي؟! وأين شركائي في زعمكم؟! وإنما يقول هذا توبيخا لهم وتبكيتا على ما كانوا يدعون أنهم يعبدونه من الأصنام والأوثان، ويعتقدون أنها شركاء لله، وأنها تشفع لهم يوم القيامة، فإذا لم يجدوا لما كانوا يدعونه صحة، ولم ينتفعوا بهذه الأوثان ولا بعبادتهم، فيعلمون أنهم كانوا كاذبين في أقوالهم.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

يجمعهم ليوم الحشر والنشر، لكنه يفرقهم في الحكم والأمر، فالبعث يجمعهم ولكن الحكم يفرقهم.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

والزعم: قول الكذب، قال ابن عباس: الزعم: الكذب في كل موضع.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} ناصبه محذوف تقديره: ويوم نحشرهم كان كيت وكيت، فترك ليبقى على الإبهام الذي هو داخل في التخويف {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ} أي آلهتكم التي جعلتموها شركاء لله. وقوله: {الذين كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} معناه تزعمونهم شركاء، فحذف المفعولان. وقرئ: «يحشرهم». «ثم يقول»: بالياء فيهما. وإنما يقال لهم ذلك على وجه التوبيخ، ويجوز أن يشاهدوهم، إلا أنهم حين لا ينفعونهم ولا يكون منهم ما رجوا من الشفاعة. فكأنهم غيب عنهم، وأن يحال بينهم وبينهم في وقت التوبيخ ليفقدوهم في الساعة التي علقوا بهم الرجاء فيها، فيروا مكان خزيهم، وحسرتهم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

واضاف الشركاء إليهم لأنه لا شركة لهم في الحقيقة بين الأصنام وبين شيء، وإنما وقع عليها اسم الشريك بمجرد تسمية الكفرة فأضيفت إليهم لهذه النسبة و {تزعمون} معناه تدعون أنهم لله، والزعم: القول الأميل إلى الباطل والكذب في أكثر كلامهم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان معنى هذا أنهم أكذب الناس، دل عليه بكذبهم يوم الحشر بعد انكشاف الغطاء فقال: {ويوم} أي اذكر كذبهم على الله وتكذيبهم في هذه الدار، واذكر أعجب من ذلك، وهو كذبهم في عالم الشهادة عند كشف الغطاء وارتفاع الحجب يوم {نحشرهم} أي نجمعهم بما لنا من العظمة وهم كارهون صاغرون {جميعاً} أي أهل الكتاب والمشركين وغيرهم ومعبوداتهم، وأشار إلى عظمة ذلك اليوم وطوله ومشقته وهوله بقوله بأداة التراخي: {ثم نقول} أي بما لنا من العظمة التي انكشفت لهم أستارها وتبدت لهم بحورها وأغوارها توبيخاً وتنديماً {للذين أشركوا} أي سموا شيئاً من دوننا إلهاً وعبدوه بالفعل من الأصنام أو عزير أو المسيح أو الظلمة أو النور أو غير ذلك، أو بالرضى بالشرك، فإن الرضى بالشيء فعل له لا سيما إن انضم إليه تكذيب المحق والشهادة للمبطل بأن دينه خير {أين شركاؤكم} أضافهم إلى ضميرهم لتسميتهم لهم بذلك {الذين كنتم تزعمون} أي أنهم شركاؤنا بالعبادة أو الشهادة بما يؤدي إليها، ادعوهم اليوم لينقصوكم مما نريد من ضركم، أو يرفعوكم مما نريد من وضعكم، وسؤالهم هذا يجوز أن يكون مع غيبة الشركاء عنهم وأن يكون عند إحضارهم لهم، فيكون الاستفهام عما كانوا يظنون من نفعهم، فكأن غيبته غيبتهم...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إن الشرك ألوان، والشركاء ألوان، والمشركين ألوان.. وليست الصورة الساذجة التي تتراءى للناس اليوم حين يسمعون كلمة الشرك وكلمة الشركاء وكلمة المشركين: من أن هناك ناسا كانوا يعبدون أصناما أو أحجارا، أو أشجارا، أو نجوما، أو نارا.. الخ.. هي الصورة الوحيدة للشرك! إن الشرك في صميمه هو الاعتراف لغير الله -سبحانه- بإحدى خصائص الألوهية.. سواء كانت هي الاعتقاد بتسيير إرادته للأحداث ومقادير الكائنات. أو كانت هي التقدم لغير الله بالشعائر التعبدية والنذور وما إليها. أو كانت هي تلقي الشرائع من غير الله لتنظيم أوضاع الحياة.. كلها ألوان من الشرك، يزاولها ألوان من المشركين، يتخذون ألوانا من الشركاء! والقرآن الكريم يعبر عن هذا كله بالشرك؛ ويعرض مشاهد يوم القيامة تمثل هذه الألوان من الشرك والمشركين والشركاء؛ ولا يقتصر على لون منها، ولا يقصر وصف الشرك على واحد منها؛ ولا يفرق في المصير والجزاء بين ألوان المشركين في الدنيا وفي الآخرة سواء.. ولقد كان العرب يزاولون هذه الألوان من الشرك جميعا: كانوا يعتقدون أن هناك كائنات من خلق الله، لها مشاركة -عن طريق الشفاعة الملزمة عند الله- في تسيير الأحداث والأقدار. كالملائكة. أو عن طريق قدرتها على الأذى -كالجن بذواتهم أو باستخدام الكهان والسحرة لهم- أو عن طريق هذه وتلك -كأرواح الآباء والأجداد- وكل أولئك كانوا يرمزون له بالأصنام التي تعمرها أرواح هذه الكائنات؛ ويستنطقها الكهان؛ فتحل لهم ما تحل، وتحرم عليهم ما تحرم.. وإنما هم الكهان في الحقيقة.. هم الشركاء! وكانوا يزاولون الشرك في تقديم الشعائر لهذه الأصنام؛ وتقديم القربان لها والنذور -وفي الحقيقة للكهان- كما أن بعضهم -نقلا عن الفرس- كانوا يعتقدون في الكواكب ومشاركتها في تسيير الأحداث -عن طريق المشاركة لله- ويتقدمون لها كذلك بالشعائر [ومن هنا علاقة الحلقة المذكورة في هذه السورة من قصة إبراهيم عليه السلام بموضوع السورة كما سيأتي]. وكذلك كانوا يزاولون اللون الثالث من الشرك بإقامتهم لأنفسهم -عن طريق الكهان والشيوخ- شرائع وقيما وتقاليد، لم يأذن بها الله.. وكانوا يدعون ما يدعيه بعض الناس اليوم من أن هذا هو شريعة الله! وفي هذا المشهد -مشهد الحشر والمواجهة- يواجه المشركين -كل أنواع المشركين بكل ألوان الشرك- بسؤالهم عن الشركاء -كل أصناف الشركاء- أين هم؟ فإنه لا يبدو لهم أثر؛ ولا يكفون عن أتباعهم الهول والعذاب: (ويوم نحشرهم جميعا، ثم نقول للذين أشركوا: أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟).. والمشهد شاخص، والحشر واقع، والمشركون مسؤولون ذلك السؤال العظيم.. الأليم: (أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون؟).. وهنا يفعل الهول فعله.. هنا تتعرى الفطرة من الركام الذي ران عليها في الدنيا.. هنا ينعدم من الفطرة ومن الذاكرة -كما هو منعدم في الواقع والحقيقة- وجود الشركاء؛ فيشعرون أنه لم يكن شرك، ولم يكن شركاء.. لم يكن لهذا كله من وجود لا في حقيقة ولا واقع..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمقصود من حشر أصنامهم معهم أن تظهر مذلّة الأصنام وعدم جدواها كما يحشر الغالب أسرى قبيلة ومعهم من كانوا ينتصرون به، لأنّهم لو كانوا غائبين لظنّوا أنّهم لو حصروا لشفعوا، أو أنّهم شغلوا عنهم بما هم فيه من الجلالة والنعيم، فإنّ الأسرى كانوا قد يأملون حضور شفعائهم أو من يفاديهم...وعطف {نقولُ} بِ {ثم} لأنّ القول متأخّر عن زمن حشرهم بمهلة لأنّ حصّة انتظار المجرم ما سيحلّ به أشدّ عليه، ولأنّ في إهمال الاشتغال بهم تحقيراً لهم. وتفيد {ثم} مع ذلك الترتيب الرتبي. وصرّح بِ {الذين أشركوا} لأنّهم بعض ما شمله الضمير، أي ثم نقول للذين أشركوا من بين ذلك الجمع...وأصل السؤال ب {أين} أنَّه استفهام عن المكان الذي يحلّ فيه المسند إليه، نحو: أين بيتك، وأين تذهبون. وقد يسأل بها عن الشيء الذي لا مكان له... وقد يسأل ب {أين} عن عمل أحد كان مرجوّاً منه، فإذا حضر وقته ولم يحصل منه يسأل عنه بِ {أين}، كأنّ السائل يبحث عن مكانه تنزيلاً له منزلة الغائب المجهول مكانه؛ فالسؤال ب {أين} هنا عن الشركاء المزعومين وهم حاضرون..والاستفهام توبيخي عمّا كان المشركون يزعمونه من أنّها تشفع لهم عند الله، أو أنّها تنصرهم عند الحاجة، فلمّا رأوها لا غناء لها قيل لهم: أين شركاؤكم، أي أين عملهم فكأنّهم غُيّب عنهم.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ويوم يسأل الله الذين أشركوا وكذبوا وافتروا الكذب على الله: أين الذين عبدتموهم وأشركتموهم معي؟ إن الله لن يترك الناس سدى، بل كل عمل يفعله الإنسان في الدنيا محصى عليه وسيسأل عنه يوم القيامة. سيسأل الله المشركين عن الذين عبدوهم من دون الله كذبا: أين هؤلاء الآلهة التي أشركها الكافرون في العبادة مع الله؟ ولماذا لا يتقدمون لإنقاذ عبيدهم من العذاب، الذي يصليه الله لهم؟! ويقرع سبحانه المشركين، ويحشرهم مع ما عبدوهم من دون الله من الأصنام والأوثان وفي ذلك قمة الإهانة لهم ولتلك الآلهة.