تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَئِن شِئۡنَا لَنَذۡهَبَنَّ بِٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِۦ عَلَيۡنَا وَكِيلًا} (86)

يذكر تعالى نعمته وفضله العظيم على عبده ورسوله الكريم ، فيما أوحاه إليه من القرآن المجيد ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد .

قال ابن مسعود ، رضي الله عنه : يطرق الناس ريح حمراء - يعني في آخر الزمان - من قبل الشام ، فلا يبقى في مصحف رجل ولا في قلبه آية ، ثم قرأ ابن مسعود : { وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } الآية .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَئِن شِئۡنَا لَنَذۡهَبَنَّ بِٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِۦ عَلَيۡنَا وَكِيلًا} (86)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنّ بِالّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } .

يقول ذكره : ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي آتيناك من العلم الذي أوحينا إليك من هذا القرآن لنذهبنّ به ، فلا تعلمه ، ثم لا تجد لنفسك بما نفعل بك من ذلك وكيلاً ، يعني : قيّما يقوم لك ، فيمنعنا من فعل ذلك بك ، ولا ناصرا ينصرك ، فيحول بيننا وبين ما نريد بك ، قال : وكان عبد الله بن مسعود يتأوّل معنى ذهاب الله عزّ وجلّ به رفعه من صدور قارئيه . ذكر الرواية بذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن بُنْدار ، عن معقل ، قال : قلت لعبد الله ، وذكر أنه يُسرى على القرآن : كيف وقد أثبتناه في صدورنا ومصاحفنا ؟ قال : يُسرى عليه ليلاً ، فلا يبقى منه في مصحف ولا في صدر رجل ، ثم قرأ عبد الله : وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبنّ بالّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : حدثنا ابن إسحاق بن يحيى ، عن المسيب بن رافع ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : تطرق الناسَ ريح حمراء من نحو الشام ، فلا يبقى في مصحف رجل ولا قلبه آية . قال رجل : يا أبا عبد الرحمن ، إني قد جمعت القرآن ، قال : لا يبقى في صدرك منه شيء . ثم قرأ ابن مسعود : وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبنّ بالّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ » .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَئِن شِئۡنَا لَنَذۡهَبَنَّ بِٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِۦ عَلَيۡنَا وَكِيلًا} (86)

هذا متصل بقوله : { وننزل من القرآن ما هو شفاء } [ الإسراء : 82 ] الآية أفضت إليه المناسبة فإنه لما تضمن قوله : { قل الروح من أمر ربي } [ الإسراء : 85 ] تلقينَ كلمة علم جامعة ، و تضمن أن الأمة أوتيت علماً ومُنعت علماً ، وأن علم النبوءة من أعظم ما أوتيته ، أعقب ذلك بالتنبيه إلى الشكر على نعمة العلم دفعاً لغرور النفس ، لأن العلم بالأشياء يكسبها إعجاباً بتميزها عمن دونها فيه ، فأوقظت إلى أن الذي منح العلم قادر على سلبه ، وخوطب بذلك النبي لأن علمه أعظم علم ، فإذا كان وجود علمه خاضعاً لمشيئة الله فما الظن بعلم غيره ، تعريضاً لبقية العلماء . فالكلام صريحُه تحذير ، وهو كناية عن الامتنان كما دل عليه قوله بعده إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيراً وتعريض بتحذير أهل العلم .

واللام موطئة للقسم المحذوف قبل الشرط .

وجملة { لنذهبن بالذي أوحينا إليك } جواب القسم . وهو دليل جواب الشرط ومغن عنه .

و { لنذهبن بالذي أوحينا } بمعنى لنذهبنه ، أي عنك ، وهو أبلغ من ( نُذهبه ) كما تقدم في قوله : { الذي أسرى بعبده } [ الإسراء : 1 ] .

وما صدق الموصول القرآن .

و ( ثم ) للترتيب الرتبي ، لأن نفي الطمع في استرجاع المسلوب أشد على النفس من سلبه . فذكره أدخل في التنبيه على الشكر والتحذير من الغرور .

والوكيل : من يوكل إليه المهم . والمراد به هنا المدافع عنك والشفيع لك . ولما فيه من معنى الغلبة عدي ب ( على ) . ولما فيه من معنى التعهد والمطالبة عدي إلى المردود بالباء ، أي متعهداً بالذي أوحينا إليك . ومعنى التعهد : به التعهد باسترجاعه ، لأنه في مقابلة قوله : { لنذهبن بالذي أوحينا إليك } ، ولأن التعهد لا يكون بذات شيء بل بحال من أحواله فجرى ، الكلام على الإيجاز .

وذكر هنا { وكيلاً } وفي الآية قبلها { نصيراً } لأن معنى هذه على فرض سلب نعمة الاصطفاء ، فالمطالبة بإرجاع النعمة شفاعة ووكالة عنه ، وأما الآية قبلها فهي في فرض إلحاق عقوبة به ، فمدافعة تلك العقوبة أو الثأر بها نصر .