{ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ } قيل : المراد به : المال . رُوي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . وقيل : الثمار وهو أظهر هاهنا ، ويؤيده القراءة الأخرى : " وكان له ثُمْر " بضم الثاء وتسكين الميم ، فيكون{[18174]} جمع ثَمَرَة ، كَخَشَبَة وخُشب ، وقرأ آخرون : { ثَمَرٌ } بفتح الثاء والميم .
فقال - أي صاحب هاتين [ الجنتين ]{[18175]} - { لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ } أي : يجادله ويخاصمه ، يفتخر عليه ويترأس : { أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا } أي : أكثر خدمًا وحشمًا وولدًا .
قال قتادة : تلك - والله - أمنية الفاجر : كثرة المال وعزة النفر .
وقوله : وكانَ لَهُ ثَمَرٌ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق : «وكانَ لَهُ ثُمُرٌ » بضمّ الثاء والميم . واختلف قارئو ذلك كذلك ، فقال بعضهم : كان له ذهب وفضة ، وقالوا : ذلك هو الثمر ، لأنها أموال مثمرة ، يعني مكّثرة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ : وكانَ لَهُ ثَمَرٌ قال : ذهب وفضة ، وفي قول الله عزّ وجلّ : بِثُمُرِهِ قال : هي أيضا ذهب وفضة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، في قوله ثَمَرٌ قال : ذهب وفضة . قال : وقوله : وأُحِيطَ بِثُمُرِهِ هي هي أيضا .
وقال آخرون : بل عُنِي به : المال الكثير من صنوف الأموال . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن يوسف ، قال : حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن هارون ، عن سعيد بن أبي عَروبة ، عن قتادة ، قال : قرأها ابن عباس : «وكانَ لَهُ ثُمُرُ » بالضمّ ، وقال : يعني أنواع المال .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : «وكانَ لَهُ ثُمُرٌ » يقول : مال .
17382حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد . قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : «وكانَ لَهُ ثُمُرٌ » يقول : من كلّ المال .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله وأُحِيطَ بِثُمُرِهِ قال : الثمر من المال كله يعني الثمر ، وغيره من المال كله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : «الثّمُر » المال كله ، قال : وكلّ مال إذا اجتمع فهو ثُمُر إذا كان من لون الثمرة وغيرها من المال كله .
وقال آخرون : بل عنى به الأصل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : «وكانَ لَهُ ثُمُرٌ » الثمر الأصل . قال وأُحيطَ بثُمُرِهِ قال : بأصله .
وكأنّ الذين وجّهوا معناها إلى أنها أنواع من المال ، أرادوا أنها جمع ثمار جمع ثمر ، كما يجمع الكتاب كتبا ، والحمار حمرا . وقد قرأ بعض من وافق هؤلاء في هذه القراءة «ثُمْرٌ » بضمّ الثاء وسكون الميم ، وهو يريد الضمّ فيها غير أنه سكنها طلب التخفيف . وقد يحتمل أن يكون أراد بها جمع ثمرة ، كما تجمع الخَشبة خَشَبا . وقرأ ذلك بعض المدنيين : وكانَ لَهُ ثَمَرٌ بفتح الثاء والميم ، بمعنى جمع الثّمرة ، كما تجمع الخشبة خَشبا . والقَصبة قَصبا .
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ وكانَ لَهُ ثُمُرٌ بضمّ الثاء والميم لإجماع الحجة من القرّاء عليه وإن كانت جمع ثمار ، كما الكتب جمع كتاب .
ومعنى الكلام : وَفَجّرْنا خِلاَلُهِما نَهَرا وكانَ لَهُ منهما ثُمُرٌ بمعنى من جنتيه أنواع من الثمار . وقد بين ذلك لمن وفق لفهمه ، قوله : جَعَلْنا لأحَدِهِما جَنّتَيْنِ مِنْ أعْنابٍ وحَفَفْناهُما بنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعا ثم قال : وكان له من هذه الكروم والنخل والزرع ثمر .
وقوله : فَقالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ يقول عزّ وجلّ : فقال هذا الذي جعلنا له جنتين من أعناب ، لصاحبه الذي لا مال له وهو يخاطبه : أنا أكْثَرُ مِنْكَ مالاً وأعَزّ نَفَرا يقول : وأعزّ عشيرة ورَهْطِا ، كما قال عُيينة والأقرع لرسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن سادات العرب ، وأرباب الأموال ، فنحّ عنا سلمان وَخّبابا وصُهيبا ، احتقارا لهم ، وتكبرا عليهم ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أنا أكْثَرُ مِنْك مالاً وأعَزّ نَفَرا وتلك والله أمنية الفاجر : كثرة المال ، وعزّة النفر .
جملة { وكان له ثمر } في موضع الحال من { لأحدهما } . والثمر بضم الثاء والميم : المال الكثير المختلف من النقدين والأنعَام والجنات والمزارع . وهو مأخوذ من ثُمر ماله بتشديد الميم بالبناء للنائب ، يقال : ثَمّر الله ماله إذا كَثُر . قال النابغة :
فلما رأى أن ثَمّر الله ماله *** وأثّل مَوْجُوداً وسَدَّ مفاقِرَه
مشتقاً من اسم الثمرة على سبيل المجاز أو الاستعارة لأن الأرباح وعفو المال يُشبهان ثمر الشجر . وشَاع هذا المجاز حتى صار حقيقة . قال النابغة :
مَهلا فداءٌ لك الأقوامُ كلّهُمُ *** ومَا أُثَمّر من مال ومِنْ وَلَد
وقرأ الجمهور { ثُمُر } بضم المثلثة وضم الميم . وقرأه أبو عمرو ويعقوب بضم المثلثة وسكون الميم . وقرأه عاصم بفتح المثلثة وفتح الميم .
فقالوا : إنه جمع ثِمار الذي هو جمع ثَمر ، مثل كُتب جمع كِتاب فيكون دالاً على أنواع كثيرة مما تنتجه المكاسب ، كما تقدم آنفاً في جمع أساور من قوله : { أساور من ذهب } [ الكهف : 31 ] . وعن النحاس بسنده إلى ثعلب عن الأعمش : أن الحجاح قال : لو سمعت أحداً يقرأ وكان له ثمر } ( أي بضم الثاء ) لقطعت لسانه . قال ثعلب : فقلت للأعمش : أنأخذ بذلك . قال : لا ولا نعمة عَين ، وكان يقرأ : ثُمُر ، أي بضمتين .
والمعنى : وكان لصاحب الجنتين مالٌ ، أي غير الجنتين . والفاء لتفريع جملة { قال } على الجُمل السابقة ، لأن ما تضمنته الجمل السابقة من شأنه أن ينشأ عنه غرور بالنفس يَنطق ربه عن مثل ذلك القول .
و ( الصاحب ) هنا بمعنى المقارن في الذكر حيث انتظمهما خبر المثَل ، أو أريد به الملابس المخاصم ، كما في قول الحجاج يخاطب الخوارج « ألستم أصحابي بالأهواز » .
والمراد بالصاحب هنا الرجل الآخر من الرجلين ، أي فقال : مَن ليس له جناتٌ في حوار بينهما . ولم يتعَلق الغرض بذكر مكان هذا القول ولا سببه لعدم الاحتياج إليه في الموعظة .
وجملة { وهو يحاوره } حال من ضمير { قال } .
والمحاورة : مراجعة الكلام بين متكلميْن .
وضمير الغيبة المنفصل عائد على ذي الجنتين . والضمير المنصوب في { يحاوره } عائد على صاحب ذي الجنتين ، وربُّ الجنتين يحاور صاحبَه . ودل فعل المحاورة على أن صاحبه قد وعظه في الإيمان والعمل الصالح ، فراجعه الكلام بالفخر عليه والتطاول شأن أهل الغَطْرسة والنقائص أن يعدلوا عن المجادلة بالتي هي أحسن إلى إظهار العظمة والكبرياء .
و { أعز } أشد عزة . والعزة : ضد الذل . وهي كثرة عدد عشيرة الرجل وشجاعته .
والنفَر : عَشيرة الرجل الذين ينفرون معه . وأراد بهم هنا ولده ، كما دل عليه مقابلته في جواب صاحبه بقوله : { إن ترن أنا أقل منك مالاً وولداً } [ الكهف : 40 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.