تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا} (74)

73

أي : وكم من أمة وقرن من المكذبين قد أهلكناهم بكفرهم ، { هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا } أي : كانوا أحسن من هؤلاء أموالا وأمتعة ومناظر وأشكالا .

[ و ]{[19088]} قال الأعمش ، عن أبي ظَبْيَان ، عن ابن عباس : { خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } قال : المقام : المنزل ، والندي : المجلس ، والأثاث : المتاع ، والرئي : المنظر .

وقال العوفي ، عن ابن عباس : المقام : المسكن ، والندي : المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها ، وهو كما قال الله لقوم فرعون حين{[19089]} أهلكهم وقص شأنهم في القرآن : { كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ{[19090]} وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [ الدخان : 25 ، 26 ] ، فالمقام : المسكن والنعيم ، والندي : المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه ، وقال [ الله ]{[19091]} فيما قص على رسوله من أمر قوم لوط{[19092]} : { وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ } [ العنكبوت : 29 ] ، والعرب تسمي المجلس : النادي .

وقال قتادة : لما رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في عيشهم خشونة ، وفيهم قشافة ، تَعَرّض{[19093]} أهل الشرك بما تسمعون{[19094]} : { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } وكذا قال مجاهد ، والضحاك .

ومنهم من قال في الأثاث : هو المال . ومنهم من قال : المتاع . ومنهم من قال : الثياب ، والرئي : المنظر كما قال ابن عباس ، ومجاهد وغير واحد .

وقال الحسن البصري : يعني الصور ، وكذا قال مالك : { أَثَاثًا وَرِئْيًا } : أكثر أموالا وأحسن صورًا . والكل متقارب صحيح .


[19088]:زيادة من ت.
[19089]:في ت: "حتى".
[19090]:في ت، ف، أ: "وكنوز".
[19091]:زيادة من ت، ف.
[19092]:في أ: "لوط إذ قال".
[19093]:في ت: "وفيهم".
[19094]:في ت، ف، أ: "يسمعون"
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا} (74)

القول في تأويل قوله تعالى { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } .

يقول تعالى ذكره : وكم أهلكنا يا محمد قبل هؤلاء القائلين من أهل الكفر للمؤمنين ، إذا تُتلى عليهم آيات الرحمن ، أيّ الفريقين خير مقاما ، وأحسن نديا ، مجالس من قرن هم أكثر متاع منازل من هؤلاء ، وأحسن منهم منظرا وأجمل صورا ، فأهلكنا أموالهم ، وغيرنا صورهم ومن ذلك قول علقمة بن عبدة :

كُمَيْتٌ كَلَوْنِ الأُرْجُوَانِ نَشَرْتهُ *** لبَيْعِ الرّئيِ فِي الصّوَانِ المُكَعّبِ

يعني بالصوان : التخت الذي تصان فيه الثياب . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا قال : الرئي : المنظر ، والأثاث : المتاع .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ عن شعبة عن سليمان عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال : الرئي المنظر .

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا يقول : منظرا .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا الأثاث : المال ، والرّئي : المنظر .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله أثاثا وَرِئْيا قال : الأثاث : أحسن المتاع ، والرّئي : قال : المال .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، يقول الله تبارك وتعالى : وكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهُمْ منْ قَرْنٍ هُمْ أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا : أي أكثر متاعا وأحسن منزلة ومستقرّا ، فأهلك الله أموالهم ، وأفسد صورهم عليهم تبارك وتعالى .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا قال : أحسن صورا ، وأكثر أموالاً .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أثاثا قال : المتاع وَرِئْيا قال : فيما يرى الناس .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا ابن حميد وبشر بن معاذ ، قالا : حدثنا جرير بن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس : الأثاث : المال ، والرّئي : المنظر الحسن .

حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس وَرِئْيا : منظرا في اللون والحسن .

حدثنا القاسم ، قال : ثني حجاح ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس وَرِئيا منظرا في اللون والحسن .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أحْسَنُ أثاثا وَرِئْيا قال : الرئي : المنظر ، والأثاث : المتاع ، أحسن متاعا ، وأحسن منظرا .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول في قوله : أحْسَنُ أثاثا يعني المال وَرِئْيا يعني : المنظر الحسن .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة : «وَرِيّا » غير مهموز ، وذلك إذا قرىء كذلك يتوجه لوجهين : أحدهما : أن يكون قارئه أراد الهمزة ، فأبدل منها ياء ، فاجتمعت الياء المُبدلة من الهمز والياء التي هي لام الفعل ، فأدغمتا ، فجعلتا ياء واحدة مشددة ليُلْحِقُوا ذلك ، إذ كان رأس آية ، بنظائره من سائر رؤوس الاَيات قبله وبعده والاَخر أن يكون من رويت أروي روية وريّا ، وإذا أريد به ذلك كان معنى الكلام : وكم أهلكنا قبلهم من قرن ، هم أحسن متاعا ، وأحسن نظرا لماله ، ومعرفة لتدبيره وذلك أن العرب تقول : ما أحسن رؤية فلان في هذا الأمر إذا كان حسن النظر فيه والمعرفة به . وقرأ ذلك عامة قرّاء العراق والكوفة والبصرة وَرِئْيا بهمزها ، بمعنى : رؤية العين ، كأنه أراد : أحسن متاعا ومَرآة . وحُكي عن بعضهم أنه قرأ : «أحسن أثاثا وزيا » ، بالزاي ، كأنه أراد أحسن متاعا وهيئة ومنظرا ، وذلك أن الزيّ هو الهيئة والمنظر من قولهم : زيّيت الجارية ، بمعنى : زينتها وهيأتها .

قال أبو جعفر : وأولى القراءات في ذلك بالصواب ، قراءة من قرأ أثاثا وَرِئْيا بالراء والهمز ، لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن معناه : المنظر ، وذلك هو من رؤية العين ، لا من الروية ، فلذلك كان المهموز أولى به ، فإن قرأ قارىء ذلك بترك الهمز ، وهو يريد هذا المعنى ، فغير مخطىء في قراءته . وأما قراءته بالزاي فقراءة خارجة ، عن قراءة القرّاء ، فلا أستجيز القراءة بها لخلافها قراءتهم ، وإن كان لهم في التأويل وجه صحيح .

واختلف أهل العربية في الأثاث أجمع هو أم واحد ، فكان الأحمر فيما ذُكر لي عنه يقول : هو جمع ، واحدتها أثاثه ، كما الحمام جمع واحدتها حمامة ، والسحاب جمع واحدتها سحابة . وأما الفراء فإنه كان يقول : لا واحد له ، كما أن المتاع لا واحد له . قال : والعرب تجمع المتاع : أمتعة ، وأماتيع ، ومتع . قال : ولو جمعت الأثاث لقلت : ثلاثة آثّةٍ وأثث . وأما الرئي فإن جمعه : آراء .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَحۡسَنُ أَثَٰثٗا وَرِءۡيٗا} (74)

جملة { وكم أهلكنا قبلهم من قرن } خطاب من الله لرسوله . وقد أهلك الله أهل قرون كثيرة كانوا أرفه من مشركي العرب متاعاً وأجمل منهم منظراً . فهذه الجملة معترضة بين حكاية قولهم وبين تلقين النبي صلى الله عليه وسلم ما يجيبهم به عن قولهم ، وموقعها التهديد وما بعدها هو الجواب .

والأثاث : متاع البيوت الذي يُتزين به ، و { رئياً } قرأه الجمهور بهمزة بعد الراء وبعد الهمزة ياء على وزن فِعْل بمعنى مفعول كذبِح ، من الرؤية ، أي أحسن مَرِئيّاً ، أي منظراً وهيئة .

وقرأه قالون عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر « رِيّاً » بتشديد الياء بلا همزة إما على أنّه من قلب الهمزة ياء وإدغامها في الياء الأخرى ، وإما على أنّه من الرِيّ الذي هو النعمة والترفه ، من قولهم : ريّان من النّعيم . وأصله من الريّ ضد العطش ، لأنّ الريّ يستعار للتنعم كما يستعار التلهّف للتألّم .