تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَوۡلَا يَأۡتِينَا بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّهِۦٓۚ أَوَلَمۡ تَأۡتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (133)

يقول تعالى مخبرًا عن الكفار في قولهم : { لَوْلا } أي : هلا { يَأْتِينَا } محمد { بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ } أي : بعلامة دالة على صدقه في أنه رسول الله ؟ قال الله تعالى : { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأولَى } يعني : القرآن العظيم الذي أنزله عليه الله{[19588]} وهو أمي ، لا يحسن الكتابة ، ولم يدارس أهل الكتاب ، وقد جاء فيه أخبار الأولين ، بما كان منهم{[19589]} في سالف الدهور ، بما يوافقه عليه الكتب المتقدمة الصحيحة منها ؛ فإن القرآن مهيمن عليها ، يصدق الصحيح ، ويُبَيّن خطأ المكذوب فيها وعليها . وهذه الآية كقوله تعالى في سورة " العنكبوت " : { وَقَالُوا لَوْلا أُنزلَ{[19590]} عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ{[19591]} إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ العنكبوت : 50 ، 51 ] وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ ، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة " {[19592]} .

وإنما ذكر هاهنا أعظم الآيات التي أعطيها ، عليه السلام ، وهو القرآن ، وله من المعجزات ما لا يحد ولا يحصر ، كما هو مودع في كتبه ، ومقرر في مواضعه .


[19588]:في ف: "أنزله الله عليه".
[19589]:في ف، أ: "فيهم".
[19590]:في ف: "نزل".
[19591]:في ف: "فقل".
[19592]:صحيح البخاري برقم (4981) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَوۡلَا يَأۡتِينَا بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّهِۦٓۚ أَوَلَمۡ تَأۡتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (133)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مّن رّبّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي الصّحُفِ الاُولَىَ } .

يقول تعالى ذكره : قال هؤلاء المشركون الذين وصف صفتهم في الاَيات قبل : هلا يأتينا محمد بآية من ربه ، كما أتى قومه صالح بالناقة وعيسى بإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، يقول الله جلّ ثناؤه : أو لم يأتهم بيان ما في الكتب التي قبل هذا الكتاب من أنباء الأمم من قبلهم التي أهلكناهم لما سألوا الاَيات فكفروا بها لما أتتهم كيف عجّلنا لهم العذاب ، وأنزلنا بأسنا بكفرهم بها ، يقول : فماذا يؤمنهم إن أتتهم الاَية أن يكون حالهم حال أولئك . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " أوَ لمُ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ ما فِي الصّحُفِ الأُولى " قال : التوارة والإنجيل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد مثله .

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : " أوَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ ما في الصّحُفِ الأُولى " الكتب التي خلت من الأمم التي يمشون في مساكنهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَوۡلَا يَأۡتِينَا بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّهِۦٓۚ أَوَلَمۡ تَأۡتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (133)

ثم أخبر تعالى عن طوائف من الكفار قالوا عن محمد صلى الله عليه وسلم ، { لولا يأتينا بآية من ربه } أي بعلامة مما اقترحناها عليه وبما يبهر ويضطر .

قال القاضي أبو محمد : ورسل الله إنما اقترنت معهم آيات معرضة للنظر محفوفة بالبراهين العقلية ليضل من سبق في علم الله تعالى ضلاله ويهتدي من سبق في علم الله تعالى هداه ، فيوبخهم الله تعالى بقوله { أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى } يعني التوراة أعظم شاهد وأكبر آية له . وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم «تأتهم » على لفظة { بينة } وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم «يأتهم » بالياء على المعنى ، وقرأت فرقة «بينةُ ما » بالإضافة إلى { ما } وقرأت فرقة «بينةٌ » بالتنوين ، و { ما } على هذه القراءة فاعلة ب «تأتي » ، وقرأ الجمهور «في الصحُف » بضم الحاء ، وقرأت فرقة «في الصحْف » بسكونها .