البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَالُواْ لَوۡلَا يَأۡتِينَا بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّهِۦٓۚ أَوَلَمۡ تَأۡتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (133)

{ وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه } هذه عادتهم في اقتراح الآيات كأنهم جعلوا ما ظهر من الآيات ليس بآيات ، فاقترحوا هم ما يختارون على ديدنهم في التعنت فأجيبوا بقوله { أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى } أي القرآن الذي سبق التبشير به وبإيحائي من الرسل به في الكتب الإلهية السابقة المنزّلة على الرسل ، والقرآن أعظم الآيات في الإعجاز وهي الآية الباقية إلى يوم القيامة .

وفي هذا الاستفهام توبيخ لهم .

وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص { تأتهم } بالتاء على لفظ بينة .

وقرأ باقي السبعة وأبو بحرية وابن محيصن وطلحة وابن أبي ليلى وابن مناذر وخلف وأبو عبيدة وابن سعدان وابن عيسى وابن جبير الأنطاكي يأتهم بالياء لمجاز تأنيث الآية والفصل .

وقرأ الجمهور بإضافة { بينة } إلى { ما } وفرقة منهم أبو زيد عن أبي عمرو بالتنوين و { ما } بدل .

قال صاحب اللوامح : ويجوز أن يكون ما نفياً وأريد بذلك ما في القرآن من الناسخ والفصل مما لم يكن في غيره من الكتب .

وقرأت فرقة بنصب { بينة } والتنوين و { ما } فاعل بتأتهم و { بينة } نصب على الحال ، فمن قرأ يأتهم بالياء فعلى لفظ { ما } ومن قرأ بالتاء راعى المعنى لأنه أشياء مختلفة وعلوم من مضى وما شاء الله .

وقرأ الجمهور { في الصُحُف } بضم الحاء ، وفرقة منهم ابن عباس بإسكانها والضمير في ضمن قبله يعود على البينة لأنها في معنى البرهان ، والدليل قاله الزمخشري والظاهر عوده على الرسول صلى الله عليه وسلم لقوله : { لولا أرسلت إلينا رسولاً } ولذلك قدره بعضهم قبل إرساله محمداً إليهم