التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَقَالُواْ لَوۡلَا يَأۡتِينَا بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّهِۦٓۚ أَوَلَمۡ تَأۡتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (133)

ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بإيراد بعض الشبهات التى أثراها المشركون حول النبى - صلى الله عليه وسلم - ورد عليها بما يبطلها فقال - تعالى - : { وَقَالُواْ لَوْلاَ . . . } .

مرادهم بالآية فى قوله - سبحانه - : { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ } معجزة حية من المعجزات التى اقترحوها عليه - صلى الله عليه وسلم - كتفجير الأنهار حول مكة ، وكرقيه إلى السماء ، وكنزول الملائكة معه . .

أى : وقال الكافرون على سبيل التعنت والعناد للرسول - صلى الله عليه وسلم - هلا أتيت لنا يا محمد بآية من الآيات التى طلبناها منك ، أو بآية من الآيات التى أتى بها الأنبياء من قبلك ، كالعصا بالنسبة لموسى ، والناقة بالنسبة لصالح .

فهم - كما يقول الآلوسى - : " بلغوا من المكابرة والعناد إلى حيث لم يعدوا ما شاهدوا من المعجزات التى تخر لها صم الجبال ، من قبيل الآيات ، حتى اجترأوا على التفوه بهذه العظيمة الشنعاء .

وقوله - سبحانه - : { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصحف الأولى } رد على جهالاتهم وجحودهم .

والمراد بالبينة القرآن الكريم الذى هو أم الآيات ، ورأس المعجزات .

والمراد بالصحف الأولى : الكتب السماوية السابقة كالتوراة والإنجيل والزبور .

والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام ، والاستفهام لتقرير الإتيان وثوبته .

والمعنى : أجهلوا ولم يكفهم اشتمال القرآن الذى جئت به - أيها الرسول الكريم - على يان ما فى الصحف الأولى التى أنزلناها على الرسل السابقين ، ولم يكفهم ذلك فى كونه معجزة حتى طلبوا غيرها ؟ .

قال صاحب الكشاف : اقترحوا على عادتهم فى التعنت آية على النبوة ، فقيل لهم : أو لم تأتكم أية من أم الآيات وأعظمها فى باب الإعجاز ، يعنى القرآن ، من جهة أن القرآن برهان ما فى سائر الكتب المنزلة ، ودليل صحته لأن معجزة ، وتلك ليست بمعجزات ، فهى مفتقرة إلى شهادته على صحة ما فيها ، افتقار المحتج عليه إلى شهادة الحجة .

وقال ابن كثير : قوله : { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصحف الأولى } يعنى : القرآن العظيم ، الذى أنزله الله - تعالى - عليه - صلى الله عليه وسلم - وقد جاء فيه أخبار الأولين بما كان منهم فى سالف الدهور ، بما يوافقه عليه الكتب المتقدمة الصحيحة منها ، فإن القرآن مهيمن عليها . . .

وهذه الآية كقوله - تعالى - : { وَقَالُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلك لَرَحْمَةً وذكرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } وفى الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما من نبى إلا وقد أوتى من الآيات ما آمن على مثله البشر ، وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه الله إلى ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " .

ومنهم من يرى أن المراد بالبينة : الكتب السماوية السابقة .

فيكون المعنى : أو لم يكف هؤلاء الجاهلين أن الكتب السماوية السابقة كالتوراة والإنجيل قد بشرت بك وبينت نعوتك وصفاتك ، وهم معترفون بصدقها ، فكيف لا يقرون بنبوتك .

قال القرطبى : وقوله : { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصحف الأولى } يريد التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة ، وذلك أعظم آية إذ أخبر بها فيها . وقيل : أو لم تأتهم الآية الدالة على نبوته بما وجدوه فى الكتب المتقدمة من البشارة . . .

وعلى كلا التفسيرين فالآية الكريمة شهادة من الله - تعالى - بصدق النبى - صلى الله عليه وسلم - فيما بلغه عنه ، ورد مبطل لشبهات الكافرين ولأقوالهم الباطلة ، وإن كان تفسير البينة هنا بالقرآن أظهر وأوضح .