إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَقَالُواْ لَوۡلَا يَأۡتِينَا بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّهِۦٓۚ أَوَلَمۡ تَأۡتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلۡأُولَىٰ} (133)

{ وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مّن رَّبّهِ } حكاية لبعض أقاويلهم الباطلةِ التي أُمر عليه السلام بالصبر عليها ، أي هلا يأتينا بآية تدل على صدقة في دعوى النبوةِ أو بآية مما اقترحوها بلغوا من المكابرة والعِناد إلى حيث لم يعُدوا ما شاهدوا من المعجزات التي تخِرّ لها صُمُّ الجبال من قبيل الآيات حتى اجترأوا على التفوه بهذه العظيمة الشنعاء ، وقوله تعالى : { أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا في الصحف الأولى } أي التوراةِ والإنجيل وسائرِ الكتبِ السماوية ، ردٌّ من جهته جل وعلا لمقالتهم القبيحةِ وتكذيبٌ لهم فيما دسوا تحتها من إنكار مجيءِ الآية بإتيان القرآنِ الكريم الذي هو أمُّ الآياتِ وأُسُّ المعجزات وأعظمُها وأبقاها ، لأن حقيقةَ المعجزةِ اختصاصُ مدّعي النبوة بنوع من الأمور الخارقةِ للعادات أيِّ أمرٍ كان ، ولا ريب في أن العلمُ أجلُّ الأمور وأعلاها إذ هو أصلُ الأعمال ومبدأَ الأفعالِ ولقد ظهر مع حيازته لجميع علومِ الأولين والآخرين على يد أميَ لم يمارس شيئاً من العلوم ولم يدارس أحداً من أهلها أصلاً ، فأيُّ معجزة تُراد بعدَ ورودِه وأيُّ آية ترام مع وجوده ، وفي إيراده بعنوان كونِه بينةَ ما في الصحف الأولى ومن التوراة والإنجيل وسائرِ الكتبِ السماوية أي شاهداً بحقية ما فيها من العقائد الحقةِ وأصولِ الأحكام التي أجمعت عليها كافةُ الرسل ، وبصحة ما تنطِقُ به من أنباء الأمم من حيث أنه غنيٌّ بإعجازه عما يشهد بحقّيته ، حقيقٌ بإثبات حقّيةِ غيرِه ما لا يخفى من تنويه شأنِه وإنارة برهانِه ، ومزيدُ تقريرٍ وتحقيقٍ لإتيانه ، وإسنادُ الإتيان إليه مع جعلهم إياه مأتياً به للتنبيه على أصالته فيه مع ما فيه من المناسبة للبينة ، والهمزةُ لإنكار الوقوعِ والواوُ للعطف على مقدر يقتضيه المقامُ ، كأنه قيل : ألم يأتهم سائرُ الآياتِ ولم تأتهم خاصةً بينةُ ما في الصحف الأولى ؟ تقريراً لإتيانه وإيذاناً من الوضوح بحيث لا يتأتى منهم إنكارُه أصلاً وإن اجترأوا على إنكار سائر الآياتِ مكابرةً وعِناداً ، وقرئ أولم يأتهم بالياء التحتانية ، وقرئ الصُّحْفِ بالسكون تخفيفاً .