فقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } أي : ضعيف .
فأما الحديث الذي رواه ابن جرير هاهنا : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا أبو أسامة ، حدثني هشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة{[25011]} ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لم يكذب إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، غير ثلاث كذبات : ثنتين في ذات الله ، قوله : { إِنِّي سَقِيمٌ } ، وقوله { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا } [ الأنبياء : 62 ] ، وقوله في سارة : هي أختي " {[25012]} فهو حديث مخرج في الصحاح{[25013]} والسنن من طرق{[25014]} ، ولكن ليس هذا من باب الكذب الحقيقي الذي يذم فاعله ، حاشا وكلا وإنما أطلق الكذب على هذا تجوزا ، وإنما هو من المعاريض في الكلام لمقصد شرعي ديني ، كما جاء في الحديث : " إن [ في ]{[25015]} المعاريض لمندوحة عن الكذب " {[25016]}
وقال{[25017]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي نَضْرَة{[25018]} ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمات إبراهيم الثلاث التي قال : " ما منها كلمة إلا ما حمل بها عن دين الله تعالى ، فقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } ، وقال { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ } ، وقال للملك حين أراد المرأة : هي أختي " {[25019]} .
قال سفيان في قوله : { إِنِّي سَقِيمٌ } يعني : طعين . وكانوا يفرون من المطعون ، فأراد أن يخلو بآلهتهم . وكذا قال العوفي عن ابن عباس : { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ . فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } ، فقالوا له وهو في بيت آلهتهم : اخرج . فقال : إني مطعون ، فتركوه مخافة الطاعون .
وقال قتادة عن سعيد بن المسيب : رأى نجما طلع فقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } كابد نبي الله عن دينه{[25020]} { فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } .
وقال آخرون : فقال{[25021]} : { إِنِّي سَقِيمٌ } بالنسبة إلى ما يستقبل ، يعني : مرض الموت .
وقيل : أراد { إِنِّي سَقِيمٌ } أي : مريض القلب من عبادتكم الأوثان من دون الله عز وجل .
وقال الحسن البصري : خرج قوم إبراهيم إلى عيدهم ، فأرادوه على الخروج ، فاضطجع على ظهره وقال : { إِنِّي سَقِيمٌ } ، وجعل ينظر في السماء فلما خرجوا أقبل إلى آلهتهم فكسرها . رواه ابن أبي حاتم . ولهذا قال تعالى : { فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ }
وقوله : إنّي سَقِيمٌ : أي طعين ، أو لسقم كانوا يهربون منه إذا سمعوا به ، وإنما يريد إبراهيم أن يخرجوا عنه ، ليبلغ من أصنامهم الذي يريد .
واختلف في وجه قيل إبراهيم لقومه : إنّي سَقِيمٌ وهو صحيح ، فرُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ إلاّ ثَلاثَ كَذَباتٍ » ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : ثني هشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ غَيَرَ ثَلاثِ كَذَباتٍ ، ثِنْتَيْنِ فِي ذاتِ اللّهِ ، قوله : إنّي سَقِيمٌ ، وقَولِهِ : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ، وقوْلِهِ فِي سارّةَ : هِيَ أُخْتِي » .
حدثنا سعيد بن يحيى ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني أبو الزناد ، عن عبد الرحمن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ فِي شَيْءٍ قَطّ إلاّ فِي ثَلاَثٍ » ثم ذكر نحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن المسيب بن رافع ، عن أبي هريرة ، قال : «ما كذب إبراهيم غير ثلاث كذبات ، قوله : إني سَقِيمٌ ، وقوله : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ، وإنما قاله موعظة ، وقوله حين سأله الملك ، فقال أختي لسارّة ، وكانت امرأته » .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد ، قال : «إن إبراهيم ما كذب إلا ثلاث كذبات ، ثنتان في الله ، وواحدة في ذات نفسه فأما الثنتان فقوله : إني سَقِيمٌ ، وقوله : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وقصته في سارة ، وذكر قصتها وقصة الملك » .
وقال آخرون : إن قوله إنّي سَقِيمٌ كلمة فيها مِعْراض ، ومعناها أن كلّ من كان في عقبة الموت فهو سقيم ، وإن لم يكن به حين قالها سقم ظاهر ، والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف هذا القول ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحقّ دون غيره .
واختلف أيضاً في قوله { إني سقيم } ، فقالت فرقة هي كذبة في ذات الله تعالى أخبرهم عن نفسه أنه مريض وأن الكوكب أعطاه ذلك ، وقال ابن عباس وغيره : أشار لهم إلى مرض وسقم يعدي كالطاعون ولذلك تولوا { مدبرين } أي فارين منه ، وقال بعضهم بل تولوا { مدبرين } لكفرهم واحتقارهم لأمره .
قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا التأويل في أنها كذبة يجيء الحديث لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات : قوله { إني سقيم } ، وقوله { بل فعله كبيرهم }{[9873]} [ الأنبياء : 63 ] وقوله في سارة هي أختي{[9874]} .
وقالت فرقة : ليست بكذبة ولا يجوز الكذب عليه ولكنها من المعاريض أخبرهم بأنه سقيم في المثال وعلى عرف ابن آدم لا بد أن يسقم ضرورة ، وقيل أراد على هذا { إني سقيم } النفس أي من أموركم وكفركم فظهر لهم من كلامه أنه أراد سقماً بالجسد حاضراً وهكذا هي المعاريض .
قال القاضي أبو محمد : وهذا التأويل لا يرده الحديث وذكر الكذبات لأنه قد يقال لها كذب على الاتساع بحسب اعتقاد المخبر ، والكذب الذي هو قصد قول الباطل ، والإخبار بضد ما في النفس بغير منفعة شرعية ، هو الذي لا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.