تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

{ وَجَحَدُوا بِهَا } أي : في ظاهر أمرهم ، { وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ } أي : علموا في أنفسهم أنها حق{[21976]} من عند الله ، ولكن جَحَدوها وعاندوها وكابروها ، { ظُلْمًا وَعُلُوًّا } أي : ظلما من أنفسهم ، سَجِيَّة ملعونة ، { وَعُلُوًّا } أي : استكبارًا عن اتباع الحق ؛ ولهذا قال : { فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } أي : انظر يا محمد كيف كان عاقبة كُفرهم{[21977]} ، في إهلاك الله إياهم ، وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة .

وفحوى الخطاب يقول : احذروا أيها المكذبون بمحمد ، الجاحدون لما جاء به من ربه ، أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى ؛ فإن محمدًا ، صلوات الله وسلامه عليه{[21978]} أشرف وأعظم من موسى ، وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى ، بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله ، وما سبقه من البشارات من الأنبياء به ، وأخذ المواثيق له ، عليه{[21979]} من ربه أفضل الصلاة والسلام .


[21976]:- في ف ، أ : "صدق".
[21977]:- في ف ، أ : "أمرهم".
[21978]:- في ف : "صلى الله عليه وسلم".
[21979]:- في ف : "عليهم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

وقوله : وَجَحَدُوا بِها يقول : وكذّبوا بالاَيات التسع أن تكون من عند الله ، كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج وَجَحَدُوا بِها قال : الجحود : التكذيب بها .

وقوله : وَاسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ يقول : وأيقنتها قلوبهم ، وعلموا يقينا أنها من عند الله ، فعاندوا بعد تبينهم الحقّ ، ومعرفتهم به ، كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس وَاسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ قال : يقينهم في قلوبهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله الله : وَاسْتَيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ ظُلْما وَعُلُوّا قال : استيقنوا أن الاَيات من الله حقّ ، فلم جحدوا بها ؟ قال : ظلما وعلوّا .

وقوله : ظُلْما وَعُلُوّا يعني بالظلم : الاعتداء ، والعلوّ : الكبر ، كأنه قيل : اعتداء وتكبرا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، في قوله ظُلْما وَعُلُوّا قال : تعظما واستكبارا ، ومعنى ذلك : وجحدوا بالاَيات التسع ظلما وعلوّا ، واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله ، فعاندوا الحقّ بعد وضوحه لهم ، فهو من المؤخر الذي معناه التقديم .

وقوله : فانْظُرْ كَيْف كانَ عاقِبَةُ المُفْسِدِينَ . يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فانظر يا محمد بعين قلبك كيف كان عاقبة تكذيب هؤلاء الذين جحدوا آياتنا حين جاءتهم مبصرة ، وماذا حلّ بهم من إفسادهم في الأرض ومعصيتهم فيها ربهم ، وأعقبهم ما فعلوا ، فإن ذلك أخرجهم من جنات وعيون ، وزروع ومقام كريم ، إلى هلاك في العاجل بالغرق ، وفي الاَجل إلى عذاب دائم ، لا يفتر عنهم ، وهم فيه مبلسون . يقول : وكذلك يا محمد سنتي في الذين كذّبوا بما جئتهم به من الاَيات على حقيقة ما تدعوهم إليه من الحقّ من قومك .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

{ وجحدوا بها } وكذبوا بها . { واستيقنتها أنفسهم } وقد استيقنتها لأن الواو للحال . { ظلما } لأنفسهم . { وعلوا } ترفعا عن الإيمان ، وانتصابهما على العلة من { جحدوا } { فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } وهو الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (14)

الجحود : الإنكار باللسان .

و { استيْقنتها } بمعنى أيقنت بها ، فحُذف حرف الجر وعدي الفعل إلى المجرور على التوسع أو على نزع الخافض ، أي تحققتها عقولُهم ، والسين والتاء للمبالغة . والظلم في تكذيبهم الرسول لأنهم ألصقوا به ما ليس بحق فظلموه حقه .

والعلو : الكبر ويحسن أن تكون جملة : { واستيقنتها } حالية ، فقوله : { ظلماً وعلواً } نشر على ترتيب اللفّ . فالظلم في الجحد بها والعلوّ في كونهم موقنين بها .

وانتصب { ظلماً وعلوّاً } على الحال من ضمير { جحدوا } وجعل ما هو معلوم من حالهم فيما لحق بهم من العذاب بمنزلة الشيء المشاهد للسامعين فأمر بالنظر إليه بقوله : { فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } . والخطاب لغير معين . ويجوز أن يكون الخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم تسلية له بما حلّ بالمكذبين بالرسل قبله لأن في ذلك تعريضاً بتهديد المشركين بمثل تلك العاقبة .

و { كيف } يجوز أن يكون مجرّداً عن معنى الاستفهام منصوباً على المفعولية ، ويجوز أن يكون استفهاماً معلِّقاً فعلَ النظر عن العمل ، والاستفهام حينئذ للتعجيب .