تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا} (6)

أي : هذا الذي مُزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفا بلا مزج ويَرْوَوْنَ بها ؛ ولهذا ضمن يشرَب " يروى " حتى عداه بالباء ، ونصب { عَيْنًا } على التمييز .

قال بعضهم : هذا الشراب{[29589]} في طيبه كالكافور . وقال بعضهم : هو من عين كافور . وقال بعضهم : يجوز أن يكون منصوبًا ب { يَشْرَبُ } حكى هذه الأقوال الثلاثة ابنُ جرير .

وقوله : { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا } أي : يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا ، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم .

والتفجير هو الإنباع ، كما قال تعالى : { وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا } [ الإسراء : 90 ] . وقال : { وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا } [ الكهف : 33 ] .

وقال مجاهد : { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا } يقودونها حيث شاؤوا ، وكذا قال عكرمة ، وقتادة . وقال الثوري : يصرفونها حيث شاؤوا .


[29589]:- (2) في م: "الطعام".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا} (6)

وقوله : عَيْنا يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يقول تعالى ذكره : كان مزاج الكأس التي يشرب بها هؤلاء الأبرار كالكافور في طيب رائحته من عين يشرب بها عباد الله الذين يدخلهم الجنة . والعين على هذا التأويل نصب على الحال من الهاء التي في «مزاجها » ويعني بقوله يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللّهِ يُرْوَى بها ويُنتفع . وقيل : يشرب بها ويشربها بمعنى واحد . وذكر الفرّاء أن بعضهم أنشده :

شَرِبْنَ بِمَاءِ الْبَحْرِ ثُمّ تَرَفّعَتْ *** مَتى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهُنّ نَئِيجُ

وعنى بقوله : «متى لجج » من ، ومثله : إنه يتكلم بكلام حسن ، ويتكلم كلاما حسنا .

وقوله : يُفَجّرُونَها تَفْجِيرا يقول تعالى ذكره يفجرون تلك العين التي يشربون بها كيف شاؤوا وحيث شاؤوا من منازلهم وقصورهم تفجيرا ، ويعني بالتفجير : الإسالة والإجراء . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : يُفَجّرُونَها تَفْجِيرا قال : يدّلونها حيث شاؤوا .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : يُفَجّرُونَها تَفْجِيرا قال : يقودونها حيث شاؤوا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة يُفَجّرُونَها تَفْجِيرا قال : مستقيد ماؤها لهم يفجرونها حيث شاؤوا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان يُفَجّروُنَها تَفْجِيرا قال : يصرفونها حيث شاؤوا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا} (6)

عينا بدل من كافورا إن جعل اسم ماء أو من محل من كأس على تقدير مضاف أي ماء عين أو خمرها أو نصب على الاختصاص أو بفعل يفسره ما بعدها يشرب بها عباد الله أي ملتذا بها أو ممزوجا بها وقيل الباء مزيدة أو بمعنى من لأن الشرب مبتدأ منها كما هو يفجرونها تفجيرا يجرونها حيث شاءوا إجراء سهلا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا} (6)

وانتصب { عيناً } على البدل من { كافوراً } أي ذلك الكافور تجري به عين في الجنة من ماء محلول فيه أو من زيته مثل قوله : { وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى } [ محمد : 15 ] . وعدي فعل { يشرب } بالباء وهي باء الإِلصاق لأن الكافور يمزج به شرابهم . فالتقدير : عيْناً يشرب عباد الله خمرهم بها ، أي مصحوباً بمائها ، وذهب الأصمعي إلى أن الباء في قوله تعالى : { يشرب بها عباد الله } بمعنى ( من ) التبعيضية ووافقه الفارسي وابن قتيبة وابن مالك ، وعَدّ في كتبه ذلك من معاني الباء ونُسب إلى الكوفيين .

و { عبادُ الله } مراد بهم : الأبرار . وهو إظهار في مقام الإِضمار للتنويه بهم بإضافة عبوديتهم إلى الله تعالى إضافةَ تشريف .

والتفجير : فتح الأرض عن الماء أي استنباط الماء الغزير وأطلق هنا على الاستقاء منها بلا حدّ ولا نضوب فكان كل واحد يفجر لنفسه ينبوعاً وهذا من الاستعارة .

وأكد فعل { يفجرونها تفجيراً } ترشيحاً للاستعارة .