المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{عَيۡنٗا يَشۡرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفۡجِيرٗا} (6)

وقوله تعالى : { عيناً } هو بدل من قوله { كافوراً } ، وقيل هو مفعول بقوله { يشربون } ، أي { يشربون } ماء هذه العين من كأس عطرة كالكافور ، وقيل نصب { عيناً } على المدح أو بإضمار أعني ، وقوله { يشرب بها } بمنزلة يشربها فالباء زائدة ، وقال الهذلي : شربن بماء البحر{[11501]} . أي شربن ماء البحر ، وقرأ ابن أبي عبلة : «يشربها عباد الله » ، و { عباد الله } هنا خصوص في المؤمنين الناعمين لأن جميع الخلق عباده ، و { يفجرونها } معناه يشقونها{[11502]} بعود قصب{[11503]} ونحوه حيث شاؤوا ، فهي تجري عند كل أحد منهم ، هكذا ورد الأثر ، وقال الثعلبي ، وقيل هي عين في دار النبي صلى الله عليه وسلم تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنين ، وهذا قول الحسن .


[11501]:هذا بداية بيت قاله أبو ذؤيب الهذلي في إحدى قصائده والبيت بتمامه: شربن بماء البحر ثم تنصبت متى لجج خضر لهن نئيج يصف الشاعر السحابات التي شربت من ماء البحر، وتنصبت: ارتفعت إلى أعلى، ويروى: ترفعت، ويروى: تصعدت، و "متى" بمعنى "من"، ولهن نئيج: لهن مر سريع، والشاهد هنا أن "شرب به" بمعنى شربه، وأن الباء زائدة، وهذا مثل قولهم: "فلان يتكلم بكلام حسن" أي: يتكلم كلاما حسنا. وقيل: إن الباء في الآية ليست زائدة، وإنما هي بمعنى "من" فالمعنى: يشرب منها، قاله القتبي.
[11502]:في بعض النسخ: "ينبعونها".
[11503]:القصب: كل نبات ذي أنابيب، والمفرد: قصبة. قال في اللسان: "وكل نبات كان ساقه أنابيب وكعوبا فهو قصب".