وقوله : { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ } قال مجاهد : فصلنا لهم القول . وقال السدي : بينا لهم القول .
وقال قتادة : يقول تعالى : أخبَرَهم كيف صُنع بِمَنْ مضى وكيف هو صانع ، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } .
قال مجاهد وغيره : { وَصَّلْنَا لَهُمُ } يعني : قريشا . وهذا هو الظاهر ، لكن قال حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جَعْدَة ، عن رفاعة - رفاعة هذا هو ابن قَرَظَة القُرَظيّ ، وجعله ابن منده : رفاعة بن سموال ، خال صفية بنت حيي ، وهو الذي طلق تميمة بنت وهب التي تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير بن باطا ، كذا ذكره ابن الأثير{[22343]} - قال : نزلت { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ } في عشرة أنا أحدهم . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديثه{[22344]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ وَصّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ * الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } .
يقول تعالى ذكره : ولقد وصلنا يا محمد لقومك من قريش ولليهود من بني إسرائيل القول بأخبار الماضين والنبأ عما أحللنا بهم من بأسنا ، إذ كذّبوا رسلنا ، وعما نحن فاعلون بمن اقتفى آثارهم ، واحتذى في الكفر بالله ، وتكذيب رسله مثالهم ، ليتذكروا فيعتبروا ويتعظوا . وأصله من : وصل الحبال بعضها ببعض ومنه قول الشاعر :
فَقُلْ لِبَنِي مَرْوَانَ ما بالُ ذِمّةٍ *** وَحَبْلٍ ضَعِيفٍ ما يَزَالُ يُوَصّلُ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم ببيانهم عن تأويله ، فقال بعضهم : معناه بيّنا . وقال بعضهم معناه : فصلنا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن ليث ، عن مجاهد ، قوله وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ قال : فصلنا لهم القول .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ قال : وصل الله لهم القول في هذا القرآن ، يخبرهم كيف صنع بمن مضى ، وكيف هو صانع لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا محمد بن عيسى أبو جعفر ، عن سفيان بن عيينة : وصلنا : بيّنا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ الخبر ، خبر الدنيا بخبر الاَخرة ، حتى كأنهم عاينوا الاَخرة ، وشهدوها في الدنيا ، بما نريهم من الاَيات في الدنيا وأشباهها . وقرأ إنّ فِي ذلكَ لاَيَةً لِمَنْ خافَ عَذَابَ الاَخِرَةِ وقال : إنا سوف ننجزهم ما وعدناهم في الاَخرة ، كما أنجزنا للأنبياء ما وعدناهم ، نقضي بينهم وبين قومهم .
واختلف أهل التأويل ، فيمن عنى بالهاء والميم من قوله وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ فقال بعضهم : عنى بهما قريشا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ قال : قريش .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ قال : لقريش .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ولَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ قال : يعني محمدا صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : عُنِي بهما اليهود . ذكر من قال ذلك :
حدثني بشر بن آدم ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جعدة ، عن رفعة القرظي ، قال : نزلت هذه الاَية في عشرة أنا أحدهم وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ .
20953حدثنا ابن سنان ، قال : حدثنا حيان ، قال : حدثنا حماد ، عن عمرو ، عن يحيى بن جعدة ، عن عطية القُرَظِيّ قال : نزلت هذه الاَية وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ لَعلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ حتى بلغ إنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ في عشرة أنا أحدهم ، فكأن ابن عباس أراد بقوله : يعني محمدا : لعلهم يتذكرون عهد الله في محمد إليهم ، فيقرّون بنبوّته ويصدّقونه .
الذين وصل { لهم القول } هم قريش قاله مجاهد وغيره ، وقال أبو رفاعة القرظي : نزلت في اليهود في عشرة أنا أحدهم ذكره الطبري ، وقال الجمهور : معناه واصلنا لهم في القرآن وتابعناه موصولاً بعضه ببعض في المواعظ والزجر والدعاء إلى الإسلام ، قال الحسن وفي ذكر الأمم المهلكة وصلت لهم قصة بقصة حسب مرور الأيام ، وذهب مجاهد أن معنى { وصلنا } فصلنا أي جعلناه أوصالاً من حيث كان أنواعاً من القول في معان مختلفة ، ومعنى اتصال بعضه ببعض حاصل من جهة أخرى لكن إنما عدد عليهم هاهنا تقسيمه في أنواع من القول ، وذهب الجمهور إلى أن هذا التوصيل الذي وصل لهم القول معناه وصل المعاني من الوعظ والزجر وذكر الآخرة وغير ذلك ، وذهبت فرقة إلى أن الإشارة بتوصيل القول إنما هي إلى الألفاظ أي إلى الإعجاز ، فالمعنى { ولقد وصلنا لهم } قولاً معجزاً على نبوتك .
قال القاضي أبو محمد : والمعنى الأول تقديره { ولقد وصلنا لهم } قولاً تضمن معاني من تدبرها اهتدى ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «ولقد وصَلنا » بتخفيف الصاد ، وقوله { لعلهم يتذكرون } أي في طمع البشر ، وظاهر الأمر عندهم وبحسبهم .
عطف على جملة { ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم } [ القصص : 47 ] الآية ، وما عطف عليها من قوله { فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى } [ القصص : 48 ] .
والتوصيل : مبالغة في الوصل ، وهو ضم بعض الشيء إلى بعض يقال : وصل الحبل إذا ضم قطعه بعضها إلى بعض فصار حبلاً .
والقول مراد به القرآن قال تعالى { إنه لقول فصل } [ الطارق : 13 ] وقال { إنه لقول رسول كريم } [ الحاقة : 40 ] ، فالتعريف للعهد ، أي القول المعهود . وللتوصيل أحوال كثيرة فهو باعتبار ألفاظه وصل بعضه ببعض ولم ينزل جملة واحدة ، وباعتبار معانيه وصل أصنافاً من الكلام : وعداً ، ووعيداً ، وترغيباً ، وترهيباً ، وقصصاً ومواعظ وعبراً ، ونصائح يعقب بعضها بعضاً وينتقل من فن إلى فن وفي كل ذلك عون على نشاط الذهن للتذكر والتدبر .
واللام و ( قد ) كلاهما للتأكيد رداً عليه إذ جهلوا حكمة تنجيم نزول القرآن وذُكرت لهم حكمة تنجيمه هنا بما يرجع إلى فائدتهم بقوله { لعلهم يذَّكَرون= } . وذكر في آية سورة [ الفرقان : 32 ] حكمة أخرى راجعة إلى فائدة الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنُثبِّت به فؤادك } وفهم من ذلك أنهم لم يتذكروا . وضمير { لهم } عائد إلى المشركين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.