تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{۞وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (51)

{ *ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون( 51 ) الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون( 52 ) وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين( 53 ) أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون ( 54 ) وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين( 55 ) إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين( 56 ) } .

المفردات :

وصلنا لهم : التوصيل : ضم قطع الحبل بعضها إلى بعض ، قال الشاعر :

فقل لبنى مروان ما بال ذمتي بحبل ضعيف ما يزال يوصّل

والمراد به هنا : إنزال القرآن منجما مفرقا ، يتصل بعضه ببعض .

يتذكرون : يتعظون ويتدبرون

51

التفسير :

51-{ ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون }

تواصلت الرسالات رسولا بعد رسول ، وتواصلت الكتب التي ختمت بالقرآن الكريم ، الذي وصل الرسالات السابقة ، وجاء مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه .

فوصل الله سلسلة الرسالات بالإسلام ، ووصل سلسلة الكتب والصحف بالقرآن ، لعل الناس تذكر ربها ودينها ، وليستمر صوت التذكير والتنبيه ، وتتجدد الدعوة إلى الإيمان حالا بعد حال ، وزمانا بعد زمان . لقد خلد الله صوت الحق الإلهي بهذا القرآن ، وجعله ذكرى متجددة دائمة للأجيال ، بما تكفل له من الصون والحفظ عن التغيير والتبديل ، وبما اشتمل عليه من التنوع في الأسلوب والخطاب ، وعدا ووعيدا وقصصا وعبرا ، نصائح ومواعظ ، إرادة أن يتذكر الناس به ويعملوا بموجبه فيفلحوا .

قال القرطبي : الآية الكريمة رد على من قال : هلا أوتي محمد القرآن جملة واحد ، مثل ما أوتي موسى التوراة كذلك ؟ اه .

والمعنى :

أنزلنا القرآن الكريم منجما ومقسطا ، حسب الوقائع والحوادث ، ليتواصل تذكير الناس بربهم ، وليكون القرآن الكريم كتاب الحياة ، يجيب على أسئلة الناس ، ويناقش المشركين ، ويصحح المفاهيم ، وينسخ الأحكام عند الحاجة إلى النسخ أو التيسير ، فقد نزل القرآن الكريم في مكة ثلاثة عشر عاما ، يشرح العقيدة ، ويعمق الإيمان ، ويرد على شبهات المشركين ، ونزل القرآن في المدينة عشر سنوات ، نزلت فيها آيات الأحكام والجهاد والرد على شبه أهل الكتاب ، وكشف ألا عيب المنافقين ، وتفصيل أحكام السلم والحرب ، والعبادات والمعاملات ، فتواصلت آياته ، وامتد نزوله ، ليساند المؤمنين ويذكر الغافلين ، وكان الرسول أميا ، فكان من الرفق به أن ينزل القرآن منجما يؤازره ، وييسر عليه حفظ القرآن وكتابته لدى كتاب الوحي .

قال تعالى : { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا*ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا } [ الفرقان : 32 ، 33 ] .