تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا} (73)

وقوله تعالى : { لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ } أي : إنما حمل ابن آدم الأمانة وهي التكاليف ليعذب الله المنافقين منهم والمنافقات ، وهم الذين يظهرون الإيمان خوفا من أهله ويبطنون الكفر متابعة لأهله ، { وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ } ، وهم الذين ظاهرهم وباطنهم على الشرك بالله ، عز وجل ، ومخالفة رسله ، { وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } أي : وليرحم{[24141]} المؤمنين من الخلق{[24142]} الذين آمنوا بالله ، وملائكته وكتبه ورسله العاملين بطاعته { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } . [ آخر تفسير سورة " الأحزاب " ]{[24143]}


[24141]:- في أ: "وليرحم الله".
[24142]:- في أ: "الحلف".
[24143]:- زيادة من ف.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا} (73)

القول في تأويل قوله تعالى : { لّيُعَذّبَ اللّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللّهُ غَفُوراً رّحِيماً } .

يقول تعالى ذكره : وحمل الإنسان الأمانة كيما يعذّب الله المنافقين فيها الذين يظهرون أنهم يؤدّون فرائض الله ، مؤمنين بها ، وهم مستسرّون الكفر بها ، والمنافقات والمشركين بالله في عبادتهم إياه الاَلهة والأوثان ، والمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللّهُ على المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ يرجع بهم إلى طاعته ، وأداء الأمانات التي ألزمهم إياها حتى يؤدّوها وكانَ اللّهُ غَفُورا لذنوب المؤمنين والمؤمنات ، بستره عليها ، وتركه عقابهم عليها رَحِيما أن يعذّبهم عليها بعد توبتهم منها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا سوار بن عبد الله العتبري ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا أبو الأشهب ، عن الحسن أنه كان يقرأ هذه الاَية : إنّا عَرَضْنا الأمانَةَ على السّمَوَاتِ والأرْضِ والجِبالِ حتى ينتهي لِيُعَذّبَ اللّهُ المُنافِقينَ والمُنافِقاتِ والمُشْرِكِينَ والمُشْرِكاتِ فيقول : اللذان خاناها ، اللذان ظلماها : المنافق والمشرك .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لِيُعَذّبَ اللّهُ المُنافِقِينَ وَالمُنافِقاتِ والمُشْرِكِينَ والمُشْرِكاتِ هذان اللذان خاناها ، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات ، هذان اللذان أدّياها وكانَ اللّهُ غَفُورا رَحِيما .

آخر سورة الأحزاب ، ولله الحمد والمنة

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا} (73)

{ ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات } تعليل للحمل من حيث انه نتيجته كالتأديب للضرب في ضربته تأديبا ، وذكر التوبة في الوعد إشعار بأنهم كونهم ظلوما جهولا في جبلتهم لا يخليهم عن فرطات . { وكان الله غفورا رحيما } حيث تاب عن فرطاتهم واثاب بالفوز على طاعاتهم .

ختام السورة:

قال صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الأحزاب وعلمها أهله أو ما ملكت يمينه أعطي الأمان من عذاب القبر " .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا} (73)

وقوله { ليعذب الله } اللام لام العاقبة لأن الإنسان لم يحمل ليقع العذاب لكن حمل فصار الأمر وآل إلى أن يعذب من نافق ومن أشرك وأن يتوب على من آمن{[9590]} . وقرأ الجمهور و «يتوب » بالنصب عطفاً على قوله { ليعذب } وقرأ الحسن بن أبي الحسن و «يتوبُ » بالرفع على لقطع والاستئناف{[9591]} ، وباقي الآية بين .


[9590]:وقال الزمخشري: هي لام التعليل، على طريق المجاز؛ لأن نتيجة حمل الأمانة العذاب، كما أن(التأديب) في قولك:(ضربته للتأديب) نتيجة الضرب.
[9591]:وهي أيضا قراءة الأعمش، والمعنى فيها جعل العلة قاصرة على فعل من حمل الأمانة، ثم يبتدئ كلام جديد بقوله:[ويتوب]، أما المعنى على قراءة الجمهور بالنصب فهو: ليعذب الله من حمل الأمانة، ويتوب على غيره ممن لم يحملها، وهذا المعنى يتفق مع الآراء التي تجعل المراد بالإنسان الكافر أو العاصي، لكنه لا يتفق مع قول من يرى أن المراد بالإنسان النوع كله.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا} (73)

متعلق بقوله : { وحملها الإنسان } [ الأحزاب : 72 ] لأن المنافقين والمشركين والمؤمنين من اصناف الإِنسان . وهذه اللام للتعليل المجازي المسماة لامَ العاقبة . وقد تقدم القول فيها غير مرة إحداها قوله تعالى : { إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً } في آل عمران [ 178 ] .

والشاهد الشائع فيها هو قوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } [ القصص : 8 ] وعادة النحاة وعلماء البيان يقولون : إنها في معنى فاء التفريع : وإذ قد كان هذا عاقبة لحمل الإِنسان الأمانة وكان فيما تعلق به لام التعليل إجمال تعين أن هذا يفيد بياناً لما أُجمل في قوله : { إنه كان ظلوماً جهولاً } [ الأحزاب : 72 ] كما قدمناه آنفاً ، اي فكان الإِنسان فريقين : فريقاً ظالماً جاهلاً ، وفريقاً راشداً عالماً .

والمعنى : فعذب الله المنافقين والمشركين على عدم الوفاء بالأمانة التي تحملوها في أصل الفطرة وبحسب الشريعة ، وتاب على المؤمنين فغفر لهم من ذنوبهم لأنهم وفوا بالأمانة التي تحملوها . وهذا مثل قوله فيما مر : { ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم } [ الأحزاب : 24 ] أي كما تاب على المؤمنين بأن يندموا على ما فرط من نفاقهم فيخلصوا الإِيمان فيتوب الله عليهم وقد تحقق ذلك في كثير منهم .

وإظهار اسم الجلالة في قوله : { ويتوب الله } وكان الظاهر إضماره لزيادة العناية بتلك التوبة لما في الإِظهار في مقام الإِضمار من العناية .

وذكر المنافقات والمشركات والمؤمنات مع المنافقين والمشركين والمؤمنين في حين الاستغناء عن ذلك بصيغة الجمع التي شاع في كلام العرب شموله للنساء نحو قولهم : حل ببني فلان مرض يريدون وبنسائهم .

فذِكْرُ النساء في الآية إشارة إلى أن لهن شأناً كان في حوادث غزوة الخندق من إعانة لرجالهن على كيد المسلمين وبعكس ذلك حال نساء المسلمين .

وجملة { وكان الله غفوراً رحيماً } بشارة للمؤمنين والمؤمنات بأن الله عاملهم بالغفران وما تقتضيه صفة الرحمة .