في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا} (73)

63

ذلك كان . . ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات . وكان الله غفورا رحيما ) . .

فاختصاص الإنسان بحمل الأمانة ؛ وأخذه على عاتقه أن يعرف بنفسه ، ويهتدي بنفسه ، ويعمل بنفسه ، ويصل بنفسه . . هذا كان ليحتمل عاقبة اختياره ، وليكون جزاؤه من عمله . وليحق العذاب على المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات . وليمد الله يد العون للمؤمنين والمؤمنات ، فيتوب عليهم مما يقعون فيه تحت ضغط ما ركب فيهم من نقص وضعف ، وما يقف في طريقهم من حواجز وموانع ، وما يشدهم من جواذب وأثقال . . فذلك فضل الله وعونه . وهو أقرب إلى المغفرة والرحمة بعباده : ( وكان الله غفورا رحيما ) . .

وبهذا الإيقاع الهائل العميق تختم السورة التي بدأت بتوجيه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى طاعة الله وعصيان الكافرين والمنافقين ، واتباع وحي الله ، والتوكل عليه وحده دون سواه . والتي تضمنت توجيهات وتشريعات يقوم عليها نظام المجتمع الإسلامي ، خالصا لله ، متوجها له ، مطيعا لتوجيهاته .

بهذا الإيقاع الذي يصور جسامة التبعة وضخامة الأمانة . ويحدد موضع الجسامة ومنشأ الضخامة . ويحصرها كلها في نهوض الإنسان بمعرفة الله والاهتداء إلى ناموسه ، والخضوع لمشيئته . .

بهذا الإيقاع تختم السورة ، فيتناسق بدؤها وختامها ، مع موضوعها واتجاهها . ذلك التناسق المعجز ، الدال بذاته على مصدر هذا الكتاب