اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمَۢا} (73)

قوله : «لِيُعَذِّبَ » متعلق بقوله : «وحَمَلَهَا » فقيل : هي لام الصيرورة لأنه لم يحملها لذلك{[44024]} ، وقيل : لام العلة على المجاز لما كانت نتيجة حمله ذلك جعلت كالعلة{[44025]} الباعثة .

فصل :

قال مقاتل : { لِيُعَذِّبَ الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } بما خانوا الأمانة ونقضوا الميثاق{[44026]} . ثم قال : { وَيَتُوبَ الله عَلَى المؤمنين والمؤمنات } ، قرأ الأعمش برفع «ويتوب »{[44027]} على الاستئناف أي يهديهم ويرحمهم بما أدوا من الأمانة ، وقال ابن قتيبة{[44028]} عرضنا الأمانة ليظهر نفاقُ المنافق وشرك المشرك فيعذبهما الله ويظهر إيمان المؤمن فيتوب الله عليه أي يعود عليه بالرحمة والمغفرة إن حصل منه تقصير{[44029]} في الطاعات ، وعطف المشرك على المنافق ولم يُعِدْ اسمه تعالى فلم يقل : «ويُعَذِّبَ اللَّهُ المُشْرِكين » وعند التوبة أعاد اسمه وقال : { ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات } ولو قال : يتوب على المؤمنين والمؤمنات كان المعنى حاصلاً ولكنه أراد تفضيل المؤمن على المنافق فجعله كالكلام المستأنف ويجب هناك ذكر الفاعل فقال «ويتوب الله »{[44030]} ثم قال : { وَكَانَ الله غَفُوراً رَحِيماً } لما ذكر في الإنسان وصفين الظلوم والجهول ذكر من أوصافه وصفين فقال : { وكان الله غفوراً رحيماً } أي كان غفوراً للظالم رحيماً على الجهول .

ختام السورة:

روى الثَّعْلَبِيُّ عن أبي أُمَامَةَ عن أبيِّ بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الأَحْزَاب وَعَلَّمَهَا أَهْلَهُ وَمَا مَلَكَتْ يمِينُه أُعْطِيَ الأَمَانَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ »{[1]} .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[44024]:هذا يشبه قول أبي حيان في البحر المحيط 7/254: "لأنه لم يحملها لأن يعذب لكنه حملها فآل الأمر إلى أن يعذب من نافق وأشرك ويتوب على من آمن". وانظر تفسير السمين 4/406. وهذه اللام هي التي نسميها لام العاقبة كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً}.
[44025]:وهو قول الزمخشري في الكشاف 3/277 قال: واللام في ليعذب لام التعليل على طريق المجاز لأن التعذيب نتيجة حمل الأمانة كما أن التأديب في "ضربته للتأديب" نتيجة الضرب واللام متعلقة بـ "حَمَلَ" أو بـ "عَرَضْنَا".
[44026]:ذكره البغوي في معالم التنزيل 5/281.
[44027]:هذه قراءة من الأربع فوق العشرة المتواترة انظر: الإتحاف 356 والقرطبي 14/258 وقد نسبها للحسن. والكشاف 3/277 والبحر 7/254 ومختصر ابن خالويه 111.
[44028]:هو: عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري النحويّ اللغوي الكاتب كان رأساً في العربية واللغة والأخبار ثقة ديناً فاضلاً أخذ عن أبي إسحاق بن راهويه وأبي حاتم وعنه ابنه القاضي أحمد وابن دَرَسْتَوَيْهِ من مصنفاته: إعراب القرآن، معاني القرآن، غريب القرآن مات سنة 367 انظر: بغية الوعاة 2/63.
[44029]:انظر: غريب القرآن له 352 وتأويل مشكل القرآن أيضاً له 238.
[44030]:قاله الفخر الرازي في تفسيره 25/237.