تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

يخبر تعالى عن ابن{[24820]} آدم أنه كلما طال عمره ردّ إلى الضعف بعد القوة والعجز بعد النشاط ، كما قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } [ الروم : 54 ] . وقال : { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا } [ الحج : 5 ] .

والمراد من هذا - والله أعلم - الإخبارُ عن هذه الدار بأنها دار زوال وانتقال ، لا دار دوام واستقرار ؛ ولهذا قال : { أَفَلا يَعْقِلُونَ } أي : يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم ثم صيرورتهم إلى [ نفس ]{[24821]} الشَّبيبَة ، ثم إلى الشيخوخة ؛ ليعلموا أنهم خُلقوا لدار أخرى ، لا زوال لها ولا انتقال منها ، ولا محيد عنها ، وهي الدار الآخرة .


[24820]:- في أ : "بنى".
[24821]:- زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَن نّعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ * وَمَا عَلّمْنَاهُ الشّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مّبِينٌ * لّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وَمَنْ نُعَمّرْهُ فنمُدّ له في العمر نُنَكّسْهُ فِي الخَلْقِ نردّه إلى مثل حاله في الصبا من الهرم والكبر ، وذلك هو النكس في الخلق ، فيصير لا يعلم شيئا بعد العلم الذي كان يعلمه . وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : وَمَنْ نُعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ فِي الخَلْقِ يقول : من نَمُدّ له في العمر ننكسه في الخلق ، لكيلا يعلم بعد علم شيئا ، يعني الهَرَم .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : نُنَكّسْهُ فقرأه عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين : «نَنْكِسْهُ » بفتح النون الأولى وتسكين الثانية ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة : نُنَكّسْهُ بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد الكاف .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، غير أن التي عليها عامة قرّاء الكوفيين أعجبُ إليّ ، لأن التنكيس من الله في الخلق إنما هو حال بعد حال ، وشيء بعد شيء ، فذلك تأييد للتشديد .

وكذلك اختلفوا في قراءة قوله : أفَلا يَعْقِلُونَ فقرأته قراء المدينة : «أفَلا تَعْقِلُونَ » بالتاء على وجه الخطاب . وقرأته قرّاء الكوفة بالياء على الخبر ، وقراءة ذلك بالياء أشبه بظاهر التنزيل ، لأن احتجاج من الله على المشركين الذين قال فيهم وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أعْيُنِهِمْ فإخراج ذلك خبرا على نحو ما خرج قوله : لَطَمَسْنا على أعْيُنِهِمْ أعجب إليّ ، وإن كان الاَخر غير مدفوع .

ويعني تعالى ذكره بقوله : أفَلا يَعْقِلُونَ : أفلا يعقل هؤلاء المشركون قُدْرة الله على ما يشاء بمعاينتهم ما يعاينون من تصريفه خلقه فيما شاء وأحبّ من صغر إلى كبر ، ومن تنكيس بعد كبر في هرم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

{ ومن نعمره } ومن نطل عمره . { ننكسه في الخلق } نقلبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاض بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدء أمره ، وابن كثير على هذه يشبع ضمة الهاء على أصله ، وقرأ عاصم وحمزة " ننكسه " من التنكيس وهو أبلغ والنكس أشهر . { أفلا يعقلون } أن من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ فإنه مشتمل عليهما ويزاد غير أنه على تدرج ، وقرأ نافع برواية ابن عامر وابن ذكوان ويعقوب بالتاء لجري الخطاب قبله .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

ثم بين تعالى دليلاً في تنكيسه المعمرين وأن ذلك مما لا يفعله إلا الله تعالى ، وقرأ جمهور الناس «نَنْكُسه » بفتح النون الأولى وسكون الثانية ، وضم الكاف ، وقرأ حمزة وعاصم بخلاف عنه «نُنَكِّسه » بضم النون الأولى وفتح الثانية وشد الكاف المكسورة على المبالغة ، وأنكرها أبو عمرو على الأعمش ، ومعنى الآية نحول خلقه من القوة إلى الضعف ومن الفهم إلى البله ، ونحو هذا ، وقرأ نافع وأبو عمرو في رواية عياش «تعقلون » بالتاء على معنى قل لهم ، وقرأ الباقون «يعقلون » بالياء على ذكر الغائب .