السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

{ ومن نعمره } أي : نطل عمره إطالة كثيرة { ننكسه } قرأه عاصم وحمزة بضم النون الأولى وفتح النون الثانية وتشديد الكاف مكسورة من نكسه مبالغة ، والباقون بفتح النون الأولى وسكون الثانية وتخفيف الكاف مضمومة من نكسه وهي محتملة للمبالغة وعدمها ومعنى ننكسه : { في الخلق } أي : خلقه نرده إلى أرذل العمر يشبه الصبي في الخلق ، وقيل : ننكسه في الخلق أي : ضعف جوارحه بعد قوتها ونقصانها بعد زيادتها ؛ لأن الله تعالى أجرى العادة في النوع الآدمي أن من استوفى سن الصبا والشباب اثنتين وأربعين سنة حسمت غرائزه فلا تزيد فيه غريزة ووقفت قواه كلها فلم يزد فيها شيء هذا في البدن ، وأما في المعارف فتارة وتارة وهذا أيضاً في غير الأنبياء عليهم السلام ، أما هم فلا ينقص شيء من قواهم بل تزداد كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي غير مكترث وأن الصحابة رضي الله عنهم يجهدون أنفسهم فيكون جهدهم أن لا يدركوا مشيته الهوينا و«أنه صلى الله عليه وسلم صارع ركانة » الذي كان يضرب بقوته المثل ، وكان واثقاً من نفسه أنه يصرع من صارعه فلم يملكه النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وعاد إلى ذلك ثلاث مرات كل ذلك لا يتمسك في يده حتى خرج يقول : إن هذا لعجب يا محمد تصرعني » ، وحتى : «أنه دار على نسائه وهن تسع كل واحدة منهن تسع مرات في طلق واحد » إلى غير ذلك مما يحكى من قواه التي فاق بها الناس .

ولم يحك عن نبي من الأنبياء عليهم السلام ممن عاش منهم ألفاً وممن عاش دون ذلك أنه نقص شيء من قواه بل قد ورد في الصحيح من حديث أبي هريرة : «أن ملك الموت عليه السلام أرسل إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه فلما جاءه صَكّهُ ففقأ عينه فقال لربه : أرسلتني لعبد لا يريد الموت قال : ارجع إليه فقل له : يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال : أي : رب ثم ماذا ؟ قال : الموت قال : فالآن » وكان موسى وقت قبضه ابن مائة وعشرين سنة { أفلا يعقلون } أي : أن القادر على ذلك عندهم قادر على البعث فيؤمنون ، وقرأ نافع وابن ذكوان بالتاء على الخطاب ، والباقون بالياء على الغيبة .