لطائف الإشارات للقشيري - القشيري  
{وَمَن نُّعَمِّرۡهُ نُنَكِّسۡهُ فِي ٱلۡخَلۡقِۚ أَفَلَا يَعۡقِلُونَ} (68)

قوله جل ذكره : { وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ } .

يَرُدُّه إذا استوى شبابُه وقُوَّتُه إلى العكس ، فكما كان يزداد في القوة يأخذ في النقصان إلى أن يبلغَ أرذلَ العمر في السن فيصير إلى مثل حال الطفولية في الضعف . ثم لا يَبْقَى بعد النقصان شيءٌ ، كما قيل :

طوى العصران ما نشراه مني *** وأبلى جدتي نَشْرٌ وطيُّ

أراني كلَّ يومٍ في انتقاصٍ *** ولا يَبْقَى مع النقصان شيءُ

هذا في الجثث والمباني دون الأحوال والمعاني ؛ فإن الأحوال في الزيادة إلى أن يبلغ حَدَّ الخَرَفِ فيَخْتَلُّ رأيُه وعَقْلُه . وأهل الحقائق تشيب ذوائبُهم ولكنَّ محابَّهم ومعانيَهم في عنفوان شبابها ، وطراوة جدَّتها .