تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةٗ مِّن قَرۡيَتِكَ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَتۡكَ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ فَلَا نَاصِرَ لَهُمۡ} (13)

وقوله : { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ } يعني : مكة ، { أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ } ، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لأهل مكة ، في تكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو سيد المرسلين{[26639]} وخاتم الأنبياء ، فإذا كان الله ، عز وجل ، قد أهلك الأمم الذين كذبوا الرسل قبله بسببهم ، وقد كانوا أشد قوة من هؤلاء ، فماذا ظن هؤلاء أن يفعل الله بهم في الدنيا والأخرى ؟ فإن رفع عن كثير منهم العقوبة في الدنيا لبركة وجود الرسول نبي الرحمة ، فإن العذاب يوفر على الكافرين به في معادهم ، { يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ } [ هود : 20 ] .

وقوله : { مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ } أي : الذين أخرجوك من بين أظهرهم .

وقال ابن أبي حاتم : ذكر أبي ، عن محمد بن عبد الأعلى ، عن المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن حَنَش{[26640]} ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن النبي{[26641]} صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار أراه قال : التفت {[26642]} إلى مكة - وقال : " أنت أحب بلاد الله إلى الله ، وأنت أحبّ بلاد الله إليّ ، ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك " {[26643]} . فأعدى الأعداء من عَدَا على الله في حرمه ، أو قتل غير قاتله ، أو قتل بذُحُول الجاهلية ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم : { وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ }


[26639]:- (5) في ت: "الرسل".
[26640]:- (1) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده".
[26641]:- (2) في ت: "أن رسول الله".
[26642]:- (3) في ت، م: "وداراه".
[26643]:- (4) ورواه الطبري في تفسيره (26/31).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةٗ مِّن قَرۡيَتِكَ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَتۡكَ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ فَلَا نَاصِرَ لَهُمۡ} (13)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدّ قُوّةً مّن قَرْيَتِكَ الّتِيَ أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } .

يقول تعالى ذكره : وكم يا محمد من قرية هي أشدّ قوّة من قريتك ، يقول أهلها أشدّ بأسا ، وأكثر جمعا ، وأعدّ عديدا من أهل قريتك ، وهي مكة ، وأخرج الخبر عن القرية ، والمراد به أهلها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وكأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أشَدّ قُوّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الّتي أخْرَجَتْكَ أهْلَكْناهُمْ قال : هي مكة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله وكأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أشَدّ قُوّةً مِنْ قَرْيَتِكَ قال : قريته مكة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن حبيش ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، لما خرج من مكة إلى الغار ، أراه قال : التفت إلى مكة ، فقال : «أنْتِ أحَبّ بِلادِ اللّهِ إلى اللّهِ ، وأنْتِ أحَبّ بِلادِ اللّهِ إليّ ، فَلَوْ أنّ المُشْركِينَ لَمْ يُخْرِجُوني لَمْ أخْرُجْ مِنْكِ ، فَأعْتَىَ الأعْداءِ مَنْ عَتا على اللّهِ في حَرَمِهِ ، أوْ قَتَلَ غيرَ قاتِلِهِ ، أوْ قَتَلَ بذُحُولِ الجاهِلِيّةِ » ، فأنزل الله تبارك وتعالى : وكأَيّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أشَدّ قُوّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الّتي أخْرَجَتْكَ أهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ وقال جلّ ثناؤه : أخرجتك ، فأخرج الخبر عن القرية ، فلذلك أنّث ، ثم قال : أهلكناهم ، لأن المعنى في قوله أخرجتك ، ما وصفت من أنه أريد به أهل القرية ، فأخرج الخبر مرّة على اللفظ ، ومرّة على المعنى .

وقوله : فَلا ناصِرَ لَهُمْ فيه وجهان من التأويل : أحدهما أن يكون معناه ، وإن كان قد نصب الناصر بالتبرئة ، فلم يكن لهم ناصر ، وذلك أن العرب قد تضمر كان أحيانا في مثل هذا . والاَخر أن يكون معناه : فلا ناصر لهم الاَن من عذاب الله ينصرهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةٗ مِّن قَرۡيَتِكَ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَتۡكَ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ فَلَا نَاصِرَ لَهُمۡ} (13)

{ وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك } على حذف المضاف وإجراء أحكامه على المضاف إليه ، والإخراج باعتبار التسبب . { أهلكناهم } بأنواع العذاب . { فلا ناصر لهم } يدفع عنهم العذاب وهو كالحال المحكية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةٗ مِّن قَرۡيَتِكَ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَتۡكَ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ فَلَا نَاصِرَ لَهُمۡ} (13)

وقد تقدم القول غير مرة في قوله : { وكأين } . وضرب الله تعالى لمكة مثلاً بالقرى المهلكة على عظمها ، كقرية قوم عاد وغيرها . و : { أخرجتك } معناه : وقت الهجرة . ونسب الإخراج إلى القرية حملاً على اللفظ . وقال : { أهلكناهم } حملاً على المعنى . ويقال : إن هذه الآية نزلت إثر خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة في طريق المدينة . وقيل : نزلت بالمدينة . وقيل : نزلت بمكة عام دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية . وقيل نزلت : عام الفتح وهو مقبل إليها . وهذا كله حكمه حكم المدني .