البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةٗ مِّن قَرۡيَتِكَ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَتۡكَ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ فَلَا نَاصِرَ لَهُمۡ} (13)

ثم ضرب تعالى مثلاً لمكة والقرى المهلكة على عظمها ، كقرية عاد وغيرهم ، والمراد أهلها ، وأسند الإخراج إليها مجازاً .

والمعنى : كانوا سبب خروجك ، وذلك وقت هجرته عليه السلام إلى المدينة .

وكما جاء في حديث ورقة بن نوفل : يا ليتني فيها جذعاً إذ يخرجك قومك ، قال : أوَ مخرجي هم .

وقال ابن عطية : ونسب الإخراج إلى القرية حملاً على اللفظ ، وقال : { أهلكناهم } ، حملاً على المعنى . انتهى .

وظاهر هذا الكلام لا يصح ، لأن الضمير في أهلكناهم ليس عائداً على المضاف إلى القرية التي أسند إليها الإخراج ، بل إلى أهل القرية في قوله : { وكأين من قرية } ، وهو صحيح ، لكن ظاهر قوله حملاً على اللفظ وحملاً على المعنى : أي أن يكون في مدلول واحد ، وكان يبقى كأين مفلتاً غير محدث عنه بشيء ، إلا أن وقت إهلاكهم كأنه قال : فهم لا ينصرون إذ ذاك .

وقال ابن عباس : لما أخرج من مكة إلى الغار ، التفت إلى مكة وقال : أنت أحب بلاد الله إلى الله ، وأنت أحب بلاد الله إليّ ، فلو أن المشركين لم يخرجوني ، لم أخرج منك ، فأعدي الأعداء من عدا على الله في حرمه ، أو قتل غير قاتله .

وقيل : بدخول الجاهلية قال : فأنزل الله تعالى ، { وكأين من قرية } الآية ؛ وقد تقدّم أول السورة عن ابن عباس خلاف هذا القول .