إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةٗ مِّن قَرۡيَتِكَ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَتۡكَ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ فَلَا نَاصِرَ لَهُمۡ} (13)

{ وَكَأَيّن } كلمةٌ مركبةٌ من الكافِ ، وأَيْ بمَعنى كَمِ الخبريةِ ومحلُّها الرفعُ بالابتداءِ . وقوله تعالى : { مِن قَرْيَةٍ } تمييزٌ لها . وقولُه تعالى : { هِي أَشَدُّ قُوَّةً من قَرْيَتِكَ } صفةٌ لقريةٍ كما أنَّ قولَه تعالى : { التي أَخْرَجَتْكَ } صفةٌ لقريتكَ ، وقد حُذفَ عنهُمَا المضافُ وأُجريَ أحكامُه عليهمَا كما يُفصحُ عنه الخبرُ الذي هو قولُه تعالى : { أهلكناهم } أي وكم منْ أهلِ قريةٍ هُم أشدُّ قوةً من أهلِ قريتكَ الذين كانُوا سبباً لخروجِكَ من بينِهم . ووصفُ القريةِ الأولى بشدةِ القُوَّةِ للإيذانِ بأولويةِ الثانيةِ منها بالإهلاكِ لضعفِ قوَّتِها كما أنَّ وصفَ الثانيةِ بإخراجهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ للإيذانِ بأولويتِها به لقوةِ جنايتِها . وعلى طريقتِه قولُ النابغةِ : [ الطويل ]

كُلَيبٌ لعَمْرِي كانَ أكثَر ناصرا *** وَأيسَر جُرماً منكَ ضُرِّجَ بالدَّمِ

وقولُه تعالى : { فَلاَ ناصر لَهُمْ } بيانٌ لعدمِ خلاصِهم من العذابِ بواسطةِ الأعوانِ والأنصارِ إثرَ بيانِ عدمِ خلاصِهم منْهُ بأنفسِهم . والفاءُ لترتيبِ ذكرِ ما بالغيرِ على ذكرِ ما بالذاتِ وهو حكايةُ حالٍ ماضيةٍ .