التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَكَأَيِّن مِّن قَرۡيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةٗ مِّن قَرۡيَتِكَ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَتۡكَ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ فَلَا نَاصِرَ لَهُمۡ} (13)

{ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ ( 13 ) } .

وجه الخطاب في الآية إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد تضمنت تقرير كون مدن كثيرة كان أهلها أشد قوة من أهل مدينته الذين اضطروه إلى الخروج منها قد أهلكهم الله ، ولم يجدوا لهم ناصرا منه .

وقد انطوى في هذا التقرير تقرير كون الله قدرا من باب أولى على إهلاك أهل مدينته والتنكيل بهم . واستهدفت الآية بذلك تسلية النبي وتطمينه وتثبيته كما هو المتبادر .

وقد روى المفسرون{[1904]} عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة مهاجرا التفت إليها قال : أنت أحب بلاد الله إلى الله وأنت أحب بلاد الله إلي ولولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك ، فأعدى الأعداء من عدا على الله في حرمه ، أو قتل غير قاتله أو قتل بذحول الجاهلية . فأنزل الله الآية . وقد ذكر المصحف الذي اعتمدناه أنها نزلت في طريق هجرة النبي إلى المدينة أيضا .

غير أننا نلاحظ أن الآية متصلة بما سبقها من إنذار ووعيد الكفار ومنسجمة في السياق انسجاما وثيقا ، في حين أن الروايات تفيد أنها نزلت منفصلة عنها في ظرف غير ظروف نزولها مما يسوغ الشك فيها . وهذا لا يمنع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم ظل يذكر مرارة موقف مشركي قريش منه واضطراره بسبب ذلك إلى الخروج من بلده ، فاقتضت حكمة التنزيل الالتفات في الخطاب إليه في سياق إنذار الكفار وتثبيته وتطمينه بأن الله سوف ينتقم منهم كما انتقم ممن هم أشد منهم قوة .


[1904]:انظر الطبري والبغوي والخازن وابن كثير: وننبه على أن رواية البغوي للنص ليس فيها جملة (فأعدى الأعداء) الخ هذه الجملة من مرويات الطبري. والخازن عادة ينقل عن البغوي وابن كثير عن الطبري.