تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (51)

وقوله : { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ } قال مجاهد : فصلنا لهم القول . وقال السدي : بينا لهم القول .

وقال قتادة : يقول تعالى : أخبَرَهم كيف صُنع بِمَنْ مضى وكيف هو صانع ، { لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } .

قال مجاهد وغيره : { وَصَّلْنَا لَهُمُ } يعني : قريشا . وهذا هو الظاهر ، لكن قال حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جَعْدَة ، عن رفاعة - رفاعة هذا هو ابن قَرَظَة القُرَظيّ ، وجعله ابن منده : رفاعة بن سموال ، خال صفية بنت حيي ، وهو الذي طلق تميمة بنت وهب التي تزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير بن باطا ، كذا ذكره ابن الأثير{[22343]} - قال : نزلت { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ } في عشرة أنا أحدهم . رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديثه{[22344]} .


[22343]:- أسد الغابة لابن الأثير (2/228).
[22344]:- تفسير الطبري (20/56) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (5/53) من طريق حماد بن سلمة به.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (51)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَقَدْ وَصّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ * الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ولقد وصلنا يا محمد لقومك من قريش ولليهود من بني إسرائيل القول بأخبار الماضين والنبأ عما أحللنا بهم من بأسنا ، إذ كذّبوا رسلنا ، وعما نحن فاعلون بمن اقتفى آثارهم ، واحتذى في الكفر بالله ، وتكذيب رسله مثالهم ، ليتذكروا فيعتبروا ويتعظوا . وأصله من : وصل الحبال بعضها ببعض ومنه قول الشاعر :

فَقُلْ لِبَنِي مَرْوَانَ ما بالُ ذِمّةٍ *** وَحَبْلٍ ضَعِيفٍ ما يَزَالُ يُوَصّلُ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم ببيانهم عن تأويله ، فقال بعضهم : معناه بيّنا . وقال بعضهم معناه : فصلنا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن ليث ، عن مجاهد ، قوله وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ قال : فصلنا لهم القول .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ قال : وصل الله لهم القول في هذا القرآن ، يخبرهم كيف صنع بمن مضى ، وكيف هو صانع لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا محمد بن عيسى أبو جعفر ، عن سفيان بن عيينة : وصلنا : بيّنا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ الخبر ، خبر الدنيا بخبر الاَخرة ، حتى كأنهم عاينوا الاَخرة ، وشهدوها في الدنيا ، بما نريهم من الاَيات في الدنيا وأشباهها . وقرأ إنّ فِي ذلكَ لاَيَةً لِمَنْ خافَ عَذَابَ الاَخِرَةِ وقال : إنا سوف ننجزهم ما وعدناهم في الاَخرة ، كما أنجزنا للأنبياء ما وعدناهم ، نقضي بينهم وبين قومهم .

واختلف أهل التأويل ، فيمن عنى بالهاء والميم من قوله وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ فقال بعضهم : عنى بهما قريشا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ قال : قريش .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ قال : لقريش .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ولَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ قال : يعني محمدا صلى الله عليه وسلم .

وقال آخرون : عُنِي بهما اليهود . ذكر من قال ذلك :

حدثني بشر بن آدم ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، قال : حدثنا عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جعدة ، عن رفعة القرظي ، قال : نزلت هذه الاَية في عشرة أنا أحدهم وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ .

20953حدثنا ابن سنان ، قال : حدثنا حيان ، قال : حدثنا حماد ، عن عمرو ، عن يحيى بن جعدة ، عن عطية القُرَظِيّ قال : نزلت هذه الاَية وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ لَعلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ حتى بلغ إنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ في عشرة أنا أحدهم ، فكأن ابن عباس أراد بقوله : يعني محمدا : لعلهم يتذكرون عهد الله في محمد إليهم ، فيقرّون بنبوّته ويصدّقونه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (51)

{ ولقد وصلنا لهم القول } أتبعنا بعضه بعضا في الانزال ليتصل التذكير ، أو في النظم لتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد والنصائح بالعبر . { لعلهم يتذكرون } فيؤمنون ويطيعون .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{۞وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ ٱلۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ} (51)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ولقد وصلنا لهم القول} يقول: ولقد بينا لكفار مكة ما في القرآن من الأمم الخالية، كيف عذبوا بتكذيبهم رسلهم، {لعلهم} يعني: لكي {يتذكرون} فيخافوا فيؤمنوا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: ولقد وصلنا يا محمد لقومك من قريش ولليهود من بني إسرائيل القول بأخبار الماضين والنبأ عما أحللنا بهم من بأسنا، إذ كذّبوا رسلنا، وعما نحن فاعلون بمن اقتفى آثارهم، واحتذى في الكفر بالله، وتكذيب رسله مثالهم، ليتذكروا فيعتبروا ويتعظوا. وأصله من: وصل الحبال بعضها ببعض... وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم ببيانهم عن تأويله، فقال بعضهم: معناه بيّنا. وقال بعضهم معناه: فصلنا...

واختلف أهل التأويل، فيمن عنى بالهاء والميم من قوله "وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ "فقال بعضهم: عنى بهما قريشا... وقال آخرون: عُنِي بهما اليهود...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال قائلون: هو القرآن. ثم يخرج على وجهين:

أحدهما: وصل القرآن بعضه ببعض حتى خرج كله موافقا بعضه بعضا مصدقا غير مختلف، وإن فرق في الإنزال على تباعد الأوقات وطول المدد {لعلهم يتذكرون} أن مثل هذا لا يكون إلا ممن يعلم الغيب، ولا يعزب عنه شيء، ولا يغيب؛ إذ لو كان هو ممن لا يعلم ذلك من كلام المخلوق لخرج مختلفا متناقضا... في تباعد الوقت وطول المدة...

والثاني: وصل مواعظ القرآن بعضها ببعض ومواعيده بعضها ببعض وعداته بعضها ببعض. وكذلك أوامره ونواهيه، وإن تفرق نزولها، واختلفت مواضعها؛ يدعوهم لما يدعوهم به مرة بعد مرة {لعلهم يتذكرون} به. وجائز أن يكون قوله: {وصلنا لهم القول} أي قول التوحيد. ووجه هذا أنّا وصلنا التوحيد حتى جعلنا في كل أمة وكل قوم أهل توحيد لم نخل قوما ولا أمة عنه كقوله تعالى: {ولكل قوم هاد} [الرعد: 7]، ونحو ذلك من الآيات على أن في كل أمة وقرن أهل توحيد {لعلهم يتذكرون} أن في آبائهم من قد آمن بالرسل، وصدق بهم، ولا يقولون: إن آباءنا على ما نحن عليه. يشبه أن يكون هذا وصل القول الذي ذكر {ولقد وصلنا لهم القول}. قال أبو عوسجة والقتبي: {ولقد وصلنا لهم القول} أي أتبعنا بعضه بعضا واتصل عندهم.

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

قال أهل المعاني:"وصلنا" أي والينا وتابعنا.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والمعنى: أن القرآن أتاهم متتابعاً متواصلاً، وعداً ووعيداً، وقصصاً وعبراً، ومواعظ ونصائح: إرادة أن يتذكروا فيفلحوا. أو نزل عليهم نزولاً متصلاً بعضه في أثر بعض. كقوله: {وَمَا يَأْتِيهِم مّن ذِكْرٍ مّنَ الرحمن مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: 5]

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

معناه واصلنا لهم في القرآن وتابعناه موصولاً بعضه ببعض في المواعظ والزجر والدعاء إلى الإسلام... تقديره {ولقد وصلنا لهم} قولاً تضمن معاني من تدبرها اهتدى... وذهب مجاهد أن معنى {وصلنا} فصلنا أي جعلناه أوصالاً من حيث كان أنواعاً من القول في معان مختلفة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وهذا القول الموصَّل يحتمل أن يكون المراد منه: إنا أنزلنا القرآن منجما مفرقا يتصل بعضه ببعض ليكون ذلك أقرب إلى التذكير والتنبيه، فإنهم كل يوم يطلعون على حكمة أخرى وفائدة زائدة فيكونون عند ذلك أقرب إلى التذكر، وعلى هذا التقدير يكون هذا جوابا عن قولهم هلا أوتي محمد كتابه دفعة واحدة كما أوتي موسى كتابه كذلك، ويحتمل أن يكون المراد وصلنا أخبار الأنبياء بعضها ببعض وأخبار الكفار في كيفية هلاكهم تكثيرا لمواضع الاتعاظ والانزجار، ويحتمل أن يكون المراد: بينا الدلالة على كون هذا القرآن معجزا مرة بعد أخرى لعلهم يتذكرون.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{لعلهم يتذكرون} أي ليكون حالهم حال الذين يرجى لهم أن يرجعوا إلى عقولهم فيجدوا فيما طبع فيها ما يذكرهم بالحق تذكيراً، بما أشار إليه الإظهار.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

إن هذا النص ليقطع الطريق على المعتذرين بأنهم لم يفهموا عن هذا القرآن، ولم يحيطوا علما بهذا الدين. فما هو إلا أن يصل إليهم، ويعرض عليهم، حتى تقوم الحجة، وينقطع الجدل، وتسقط المعذرة. فهو بذاته واضح واضح، لا يحيد عنه إلا ذو هوى يتبع هواه، ولا يكذب به إلا متجن يظلم نفسه، ويظلم الحق البين ولا يستحق هدى الله. (إن الله لا يهدي القوم الظالمين). ولقد انقطع عذرهم بوصول الحق إليهم، وعرضه عليهم، فلم يعد لهم من حجة ولا دليل.. (ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون).

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والتوصيل: مبالغة في الوصل، وهو ضم بعض الشيء إلى بعض يقال: وصل الحبل إذا ضم قطعه بعضها إلى بعض فصار حبلاً. والقول مراد به القرآن قال تعالى {إنه لقول فصل} فالتعريف للعهد، أي القول المعهود. وللتوصيل أحوال كثيرة فهو باعتبار ألفاظه وصل بعضه ببعض ولم ينزل جملة واحدة، وباعتبار معانيه وصل أصنافاً من الكلام: وعداً، ووعيداً، وترغيباً، وترهيباً، وقصصاً ومواعظ وعبراً، ونصائح يعقب بعضها بعضاً وينتقل من فن إلى فن، وفي كل ذلك عون على نشاط الذهن للتذكر والتدبر. واللام و (قد) كلاهما للتأكيد رداً عليهم إذ جهلوا حكمة تنجيم نزول القرآن وذُكرت لهم حكمة تنجيمه هنا بما يرجع إلى فائدتهم بقوله {لعلهم يتذكرون}.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

أكد كتاب الله أن رعاية الحق، وعنايته بهداية الخلق، رعاية لا تنقطع على الدوام، وعناية لا تتضاءل مع مرور الأيام، وإن اعتصم كثير من الناس بحبل الضلال، ولجوا في العناد والجدال، ولذلك توالت الرسالات والرسل عبر الأجيال، وبقيت أبواب الهداية مفتوحة في وجوههم دون أقفال، وها هو خاتم الكتب المنزلة تتوالى سوره وآياته، وتتلاحق نصائحه وعظاته، لخير البشرية جمعاء، وإنقاذها من الضلال [و] العماء.