تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلرَّحۡمَٰنِۖ لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗا} (37)

يخبر تعالى عن عظمته وجلاله ، وأنه رب السموات والأرض وما فيهما وما بينهما ، وأنه الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء .

وقوله : { لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا } أي : لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه ، كقوله : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ } [ البقرة : 255 ] ، وكقوله : { يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ } [ هود : 105 ]

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلرَّحۡمَٰنِۖ لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗا} (37)

وقوله : رَبّ السّمَواتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما الرّحْمَنِ يقول جلّ ثناؤه : جزاء من ربك ربّ السموات السبع والأرض وما بينهما من الخلق .

واختلف القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة : «رَبّ السّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما الرّحْمَنُ » بالرفع في كليهما . وقرأ ذلك بعضُ أهل البصرة وبعضُ الكوفيين : رَبّ خفضا «والرّحْمَنُ » رفعا ولكلّ ذلك عندنا وجه صحيح ، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب ، غير أن الخفض في الربّ ، لقربه من قوله جَزَاءً مِنْ رَبّكَ : أعجب إليّ ، وأما الرّحْمَنُ بالرفع ، فإنه أحسن ، لبعده من ذلك .

وقوله : الرّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطابا يقول تعالى ذكره : الرحمن لا يقدر أحد من خلقه خطابه يوم القيامة ، إلا من أذن له منهم ، وقال صوابا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خطابا قال : كلاما .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لا يَمْلِكُونَ مِنْه خِطابا : أي كلاما .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطابا قال : لا يملكون أن يخاطبوا الله ، والمخاطِب : المخاصم الذي يخاصم صاحبه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلرَّحۡمَٰنِۖ لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗا} (37)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"رَبّ السّمَواتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما الرّحْمَنِ "يقول جلّ ثناؤه: جزاء من ربك ربّ السموات السبع والأرض وما بينهما من الخلق...

وقوله: "الرّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطابا" يقول تعالى ذكره: الرحمن لا يقدر أحد من خلقه خطابه يوم القيامة، إلا من أذن له منهم، وقال صوابا... عن مجاهد، قوله: "لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خطابا" قال: كلاما.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

فالرب: المالك، فذكر أنه مالك السماوات والأرض وما بينهما ليعلموا أنه لم يمتحن أحدا بعبادته لحاجة تقع له أو لمنفعة تصل إليه، بل هو الغني، وله ما في السماوات وما في الأرض، وان ما امتحنوا به من العبادات راجعة إلى أنفسهم إذا وفوا بها كان النفع راجعا إليهم، وإذا لم يقوموا بأدائها كان الضرر راجعا إليهم. وقوله تعالى: {الرحمن} بين أنه رحمن ليرغبوا في رحمته، ويتسارعوا إلى طلب مغفرته. وقوله تعالى: {لا يملكون منه خطابا} هيبة من الله تعالى وتعظيما لحقه، فلا يملكون من هيبته {خطابا} بالشفاعة أو بالخصومة أو بأي شيء كان...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

الضمير في قوله: {لا يملكون} إلى من يرجع؟

فيه ثلاثة أقوال:

(الأول): نقل عطاء عن ابن عباس إنه راجع إلى المشركين يريد لا يخاطب المشركون أما المؤمنون فيشفعون يقبل الله ذلك منهم.

(والثاني): قال القاضي: إنه راجع إلى المؤمنين، والمعنى أن المؤمنين لا يملكون أن يخاطبوا الله في أمر من الأمور، لأنه لما ثبت أنه عدل لا يجور، ثبت أن العقاب الذي أوصله إلى الكفار عدل، وأن الثواب الذي أوصله المؤمنين عدل، وأنه ما يخسر حقهم، فبأي سبب يخاطبونه، وهذا القول أقرب من الأول لأن الذي جرى قبل هذه الآية ذكر المؤمنين لا ذكر الكفار.

(والثالث): أنه ضمير لأهل السموات والأرض، وهذا هو الصواب، فإن أحدا من المخلوقين لا يملك مخاطبة الله ومكالمته. وأما الشفاعات الواقعة بإذنه فغير واردة على هذا الكلام لأنه نفى الملك والذي يحصل بفضله وإحسانه، فهو غير مملوك، فثبت أن هذا السؤال غير لازم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والرب: المالك المتصرف بالتدبير ورعي الرفق والرحمة، والمراد بالسماوات والأرض وما بينهما مسماها مع ما فيها من الموجودات لأن اسم المكان قد يراد به ساكنه كما في قوله تعالى: {فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها} في سورة الحج (45)، فإن الظلم من صفات سكان القرية لا صفة لذاتها، والخواء على عروشها من أحوال ذات القرية لا من أحوال سكانها، فكان إطلاق القرية مراداً به كلا المعنيين. والمراد بما بين السماوات والأرض: ما على الأرض من كائنات وما في السماوات من الملائكة وما لا يعلمه بالتفصيل إلا الله وما في الجو من المكونات حية وغيرها من أسحبة وأمطار وموجودات سابحة في الهواء. و {ما} موصولة وهي من صيغ العموم، وقد استفيد من ذلك تعميم ربوبيته على جميع المصنوعات. وأتبع وصف {رب السموات} بذكر اسم من أسمائه الحسنى، وهو اسم {الرحمن} وخص بالذكر دون غيره من الأسماء الحسنى لأن في معناه إيماء إلى أن ما يفيضه من خير على المتقين في الجنة هو عطاء رحمان بهم. وفي ذكر هذه الصفة الجليلة تعريض بالمشركين إذ أنكروا اسم الرحمن الوارد في القرآن كما حكى الله عنهم بقوله: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن} [الفرقان: 60] ....

والخطاب: الكلام الموجّه لحاضر لدى المتكلم أو كالحاضر المتضمن إخباراً أو طلباً أو إنشاء مدح أو ذم. وفعل {يملكون} يعمّ لوقوعه في سياق النفي كما تعمّ النكرة المنفية. و {خطاباً} عام أيضاً وكلاهما من العام المخصوص بمخصص منفصل كقوله عقب هذه الآية {لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً} [النبأ: 38] وقوله: {يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه} [هود: 105] وقوله: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255] وقوله: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28]. والغرض من ذكر هذا إبطالُ اعتذار المشركين حين استشعروا شناعة عبادتهم الأصنام التي شهَّر القرآن بها فقالوا: {هؤلاء شُفعاؤنا عند الله} [يونس: 18]، وقالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3]...

الشعراوي – 1419هـ:

ولماذا لا يملكون منه خطاباً؟!

لأن الحق سبحانه وتعالى حينما خلق الدنيا جعل فيها أسباباً هو الذي خلقها أيضاً، ولكن الإنسان قد يغفل بالسبب عن المسبب؛ لأنه لا يرى أمامه دائماً إلا هذه الأسباب.

ولكن هذه الأسباب ممنوعة في الآخرة، فيكون الإنعام كله من المسبب سبحانه وتعالى مباشرة، فأصبحت المسألة بغير وسائط بين الحق سبحانه وتعالى وبين العباد من أسباب، بل أصبحت في القدرة المباشرة.. أصبحت في (كن)، وما دامت المسألة هكذا فلا يملك أحد خطاباً.