اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلرَّحۡمَٰنِۖ لَا يَمۡلِكُونَ مِنۡهُ خِطَابٗا} (37)

قوله تعالى : { رَّبِّ السماوات } .

قرأ نافعٌ ، وابن كثير{[59180]} ، وأبو عمرو : برفع «رب » و«الرحمن » .

وابن عامر ، وعاصم : بخفضهما .

والأخوان : يخفض الأول ، ورفع الثاني .

فأما رفعهما ، فيجوز من أوجه :

أحدها : أن يكون «ربُّ » خبر مبتدأ محذوف مضمر ، أي : «هو رب » ، و«الرحمن » كذلك ، أو مبتدأ ، خبره «لا يَمْلِكُون » .

الثاني : أن يجعل «ربُّ » مبتدأ ، و«الرحمن » خبره ، و«لا يملكون » خبر ثان ، أو مستأنف .

الثالث : أن يكون «ربُّ » مبتدأ ، و«الرحمن » مبتدأ ثان ، و«لا يملكون » خبره ، والجملة خبر الأول ، وحصل الرَّبطُ بتكرير المبتدأ بمعناه وهو رأي الأخفشِ ، ويجوز أن يكون «لا يَمْلِكُون » حالاً وتكون لازمة .

وأما جرهما : فعلى البدل ، أو البيان ، أوالنعت ، كلاهما للأول ، إلاَّ أنَّ تكرير البدل فيه نظر وتقدم التنبيه عليه في آخر الفاتحة{[59181]} .

وتجعل { رَّبِّ السماوات } تابعاً للأول ، و «الرَّحْمن » تابعاً للثاني على ما تقدم .

وأمَّا الأول ، فعلى التبعية للأول .

وأما رفع الثاني ، فعلى الابتداء ، والخبر : الجملة الفعلية ، أو على أنَّه خبر مبتدأ مضمر ، و«لا يَمْلِكُونَ » على ما تقدم من الاستئناف ، أو الخبر الثاني ، أو الحال اللازمة .

قوله : { لاَ يَمْلِكُونَ } .

نقل عطاء عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - أن الضمير في «لا يملكون » راجع إلى المشركينَ ، أي : لا يخاطبهم الله .

وأما المؤمنون فيشفعون ، ويقبل الله - تعالى - منهم بعد إذنه لهم{[59182]} .

وقال القاضي : إنَّه راجع للمؤمنين ، والمعنى : أنَّ المؤمنين لا يملكون أن يخاطبُوا الله - تعالى - في أمرٍ من الأمورِ .

فصل في أنَّ الله عدل في عقابه

لما ثبت أنه - تعالى - عدل لا يجور ، وثبت أن العقاب الذي أوصله إلى الكفَّار عدل ، وثبت أنَّ الثَّواب الذي أوصله إلى المؤمنين عدل ، وأنَّه ما بخسهم حقَّهم ، فبأيِّ سبب يُخاطبونه .

وقيل : الضمير يعود لأهل السماواتِ والأرضِ ، وإنَّ أحداً من المخْلُوقِيْنَ لا يملك مخاطبة الله - تعالى - ومكالمته .

قال ابن الخطيب{[59183]} : وهذا هو الصواب .


[59180]:ينظر السبعة 669، والحجة 6/370، وإعراب القراءات 2/433، وحجة القراءات 747.
[59181]:آية 7.
[59182]:ذكره الرازي في "تفسيره" (31/21)، عن ابن عباس.
[59183]:ينظر: الفخر الرازي 31/21.