{ رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : رب السموات والرحمن ، فيه ثلاثة أوجه من القراءة الرفع فيهما وهو قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو ، والجر فيهما وهو قراءة عاصم وعبد الله بن عامر ، والجر في الأول مع الرفع في الثاني ، وهو قراءة حمزة والكسائي ، وفي الرفع وجوه ( أحدها ) : أن يكون رب السموات مبتدأ ، والرحمن خبره ، ثم استؤنف لا يملكون منه خطابا ( وثانيها ) : رب السموات مبتدأ ، والرحمن صفة ولا يملكون خبره ( وثالثها ) : أن يضمر المبتدأ والتقدير هو : { رب السموات } هو الرحمن ثم استؤنف : { لا يملكون } ( ورابعها ) : أن يكون { الرحمن } و{ لا يملكون } خبرين وأما وجه الجر فعلى البدل من ربك ، وأما وجه جر الأول ، ورفع الثاني فجر الأول بالبدل من ربك ، والثاني مرفوع بكونه مبتدأ وخبره لا يملكون .
المسألة الثانية : الضمير في قوله : { ويملكون } إلى من يرجع ؟ فيه ثلاثة أقوال : ( الأول ) : نقل عطاء عن ابن عباس إنه راجع إلى المشركين يريد لا يخاطب المشركون أما المؤمنون فيشفعون يقبل الله ذلك منهم ( والثاني ) : قال القاضي : إنه راجع إلى المؤمنين ، والمعنى أن المؤمنين لا يملكون أن يخاطبوا الله في أمر من الأمور ، لأنه لما ثبت أنه عدل لا يجور ، ثبت أن العقاب الذي أوصله إلى الكفار عدل ، وأن الثواب الذي أوصله المؤمنين عدل ، وأنه ما يخسر حقهم ، فبأي سبب يخاطبونه ، وهذا القول أقرب من الأول لأن الذي جرى قبل هذه الآية ذكر المؤمنين لا ذكر الكفار ( والثالث ) : أنه ضمير لأهل السموات والأرض ، وهذا هو الصواب ، فإن أحدا من المخلوقين لا يملك مخاطبة الله ومكالمته . وأما الشفاعات الواقعة بإذنه فغير واردة على هذا الكلام لأنه نفى الملك والذي يحصل بفضله وإحسانه ، فهو غير مملوك ، فثبت أن هذا السؤال غير لازم ، والذي يدل من جهة العقل على أن أحدا من المخلوقين لا يملك خطاب الله وجوه ( الأول ) : وهو أن كل ما سواء فهو مملوكه والمملوك لا يستحق على مالكه شيئا ( وثانيها ) : أن معنى الاستحقاق عليه ، هو أنه لو لم يفعل لاستحق الذم . ولو فعله لاستحق المدح ، وكل من كان كذلك كان ناقصا في ذاته ، مستكملا بغيره وتعالى الله عنه ( وثالثها ) : أنه عالم بقبح القبيح ، عالم بكونه غنيا عنه ، وكل من كان كذلك لم يفعل القبيح ، وكل من امتنع كونه فاعلا للقبيح ، فليس لأحد أن يطالبه بشيء ، وأن يقول له لم فعلت . والوجهان الأولان مفرعان على قول أهل السنة ، والوجه الثالث يتفرع على قول المعتزلة فثبت أن أحدا من المخلوقات لا يملك أن يخاطب ربه ويطالب إلهه .
واعلم أنه تعالى لما ذكر أن أحدا من الخلق لا يمكنه أن يخاطب الله في شيء أو يطالبه بشيء قرر هذا المعنى ، وأكده فقال تعالى : { يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.