تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (29)

يخبر تعالى أنه { يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ } بمعنى : يأخذ منه في النهار ، فيطولُ ذلك ويقصر هذا ، وهذا يكون زمن الصيف يطول النهار إلى الغاية ، ثم يسرع في النقص فيطول الليل ويقصر النهار ، وهذا يكون في زمن الشتاء ، { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } قيل : إلى غاية محدودة . وقيل : إلى يوم القيامة . وكلا المعنيين صحيح ، ويستشهد للقول الأول بحديث أبي ذر ، رضي الله عنه ، الذي في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يا أبا ذر ، أتدري أين تذهب هذه الشمس ؟ » . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : «فإنها تذهب فتسجد تحت العرش ، ثم تستأذن ربَّها فيوشك أن يقال لها : ارجعي من حيث جئت »{[22984]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح ، حدثنا يحيى بن أيوب ، عن ابن جُرَيْج ، عن عَطَاء بن أبي رباح{[22985]} ، عن ابن عباس أنه قال : الشمس بمنزلة الساقية ، تجري بالنهار في السماء في فلكها ، فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها ، قال : وكذلك القمر . إسناده صحيح .

وقوله : { وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ، كقوله : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ } [ الحج : 70 ] . {[22986]} ومعنى هذا : أنه تعالى الخالق العالم بجميع الأشياء ، كقوله : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنزلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [ الطلاق : 12 ] .


[22984]:- صحيح البخاري برقم (4803) وصحيح مسلم برقم (159).
[22985]:- في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".
[22986]:- في ت: "السموات" وهو خطأ.