فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (29)

{ ألم تر } الخطاب لكل أحد يصلح لذلك ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم { أن الله يولج الليل في النهار ، ويولج النهار في الليل } أي : يدخل كل واحد منهما في الآخر ، فيزيد كل منهما بما نقص عن الآخرين ، وقد تقدم تفسيره في سورة الحج والأنعام { وسخر الشمس والقمر } أي : دللهما وجعلهما منقادين بالطلوع والأفول تقديرا للآجال ، وتتميما للمنافع ، والاختلاف بينهما في الصيغة ، لما أن إيلاج أحد المولجين في الآخر متجدد في كل حين ، وأما تسخير النيرين فأمر لا تعدد فيه ، وإنما التعدد والتجدد في آثاره .

{ كل } منهما { يجري إلى أجل مسمى } قيل : هو يوم القيامة ، وقيل : وقت الطلوع ووقت الأفول ، وقيل : الشمس إلى آخر السنة ، والقمر إلى آخر الشهر ، والأول أولى ، وقال هنا بلفظ : { إلى } ، وفي فاطر ، والزمر ، بلفظ اللام ، لأن ما هنا ، وقع بين آيتين دالتين على غاية ما ينتهي إليه الخلق ، وهما قوله ما خلقكم الآية وقوله : اتقوا ربكم واخشوا يوما الآية فناسب ذكر { إلى } الدالة على الانتهاء ، وما في فاطر والزمر خال عن ذلك ، إذ ما في فاطر لم يذكر مع ابتداء خلق ولا انتهائه ، وما في الزمر ذكر مع ابتدائه ، فناسب ذكر اللام ، والمعنى : يجري كل كما ذكر لبلوغ أجل .

قاله الكرخي .

{ وأن الله بما تعلمون خبير } لا تخفى عليه خافية ، لأن من قدر على مثل هذه الأمور العظيمة فقدرته على العلم بما يعملونه بالأولى ، وهو عطف على أن الله يولج الخ ، داخل معه في حيز الرؤية