الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيۡلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلَّيۡلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (29)

كل واحد من الشمس والقمر يجري في فلكه ، ويقطعه إلى وقت معلوم : الشمس إلى آخر السنة ، والقمر إلى آخر الشهر . وعن الحسن : الأجل المسمى : يوم القيامة . لأنه لا ينقطع جريهما إلا حينئذٍ . دلّ أيضاً بالليل والنهار وتعاقبهما وزيادتهما ونقصانهما وجرى النيرين في فلكيهما كل ذلك على تقدير وحساب . وبإحاطته بجميع أعمال الخلق : على عظم قدرته وحكمته .

فإن قلت : يجري لأجل مسمى ، ويجري إلى أجل مسمى : أهو من تعاقب الحرفين ؟ قلت : كلا ، ولا يسلك هذه الطريقة إلا بليد الطبع ضيق العطن . ولكن المعنيين : أعني الانتهاء والاختصاص كل واحد منهما ملائم لصحة الغرض ؛ لأنّ قولك يجري إلى أجل مسمى : معناه يبلغه وينتهي إليه . وقولك : يجري لأجل مسمى : تريد يجري لإدراك أجل مسمى ، تجعل الجري مختصاً بإدراك أجل مسمى . ألا ترى أن جري الشمس مختص بآخر السنة . وجري القمر مختص بآخر الشهر . فكلا المعنيين غير ناب به موضعه .