صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

{ بل كذبوا بالحق لما جاءهم } أي بل جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم ، وهو تكذيبهم بالنبوة الثابتة بالمعجزات الظاهرة ؛ من غير تفكر وتدبر – المستلزم لتكذيب أنباء البعث والتوحيد وغيرهما . { فهم في أمر مريج } مختلط أو فاسد ، أو قلق مضطرب . يزعمون مرة أن النبي لا يكون بشرا ، وأخرى أن الأحق بالنبوة أهل الجاه والثراء . ويزعمون مرة أن النبوة سحر ، وأخرى أنها كهانة . ويستبعدون البعث ، ويتعجبون منه مرة ، ويجحدونه أخرى ؛ فأي اضطراب أشنع من هذا ! ؟ يقال : مرج الدين والأمر – من باب طرب – اختلط . ومرجت أمانات الناس : فسدت . ومرج الخاتم في أصبعه : إذا قلق من الهزال .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

قوله تعالى : { بل كذبوا بالحق } بالقرآن . { لما جاءهم فهم في أمر مريج } مختلط ، قال سعيد بن جبير ومجاهد : ملتبس . قال قتادة في هذه الآية : من ترك الحق مرج عليه أمره والتبس عليه دينه . وقال الحسن : ما ترك قوم الحق إلا مرج أمرهم . وذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم ، فقال : هو أنهم يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم ، مرة شاعر ، ومرة ساحر ، ومرة معلم ، ويقولون للقرآن : مرة سحر ، ومرة رجز ، ومرة مفترىً ، فكان أمرهم مختلطاً ملتبساً عليهم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

قوله تعالى : " بل كذبوا بالحق " أي القرآن في قول الجميع ، حكاه الماوردي . وقال الثعلبي : بالحق القرآن . وقيل : الإسلام . وقيل : محمد صلى الله عليه وسلم . " فهم في أمر مريج " أي مختلط . يقولون مرة ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن ، قاله الضحاك وابن زيد . وقال قتادة : مختلف . الحسن : ملتبس ، والمعنى متقارب . وقال أبو هريرة : فاسد ، ومنه مَرِجَت أمانات الناس أي فسدت ، ومَرِج الدين والأمر اختلط ، قال أبو دؤاد :

مَرِجَ الدين فأعددتُ له *** مُشْرِفَ الحَارِكِ مَحْبُوكَ الكَتَد{[14146]}

وقال ابن عباس : المريج الأمر المنكر . وقال عنه عمران بن أبي عطاء : " مريج " مختلط . وأنشد{[14147]} :

فَجَالت فالتمستُ به حَشَاهَا *** فَخَرّ كأنه خُوطٌ مَرِيجُ

الخوط الغصن . وقال عنه العوفي : في أمر ضلالة وهو قولهم ساحر شاعر مجنون كاهن . وقيل : متغير . وأصل المرج الاضطراب والقلق ؛ يقال : مرج أمر الناس ومرج أمر الدين ومرج الخاتم في إصبعي إذا قلق من الهزال . وفي الحديث : ( كيف بك يا عبدالله{[14148]} إذا كنت في قوم قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فكانوا هكذا وهكذا ) وشبك بين أصابعه . أخرجه أبو داود وقد ذكرناه في كتاب " التذكرة " . .


[14146]:الحارك: الكاهل. والكتد مجمع الكتفين من الإنسان والفرس.
[14147]:البيت للداخل الهذلي، ويروى فراغت بدل فجالت والضمير للبقرة. وبه أي بالسهم.
[14148]:هو عبد الله بن عمرو العاص كما في مسند أبي داود.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{بَلۡ كَذَّبُواْ بِٱلۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَهُمۡ فِيٓ أَمۡرٖ مَّرِيجٍ} (5)

ولما كان التقدير : وهم لا ينكرون ذلك من عظمتنا لأنهم معترفون بأنا خلقنا السماوات والأرض وخلقناهم من تراب وإنا نحن ننزل{[61078]} الماء فينبت{[61079]} النبات ، أضرب عنه بقوله : { بل كذبوا بالحق } أي الأمر الثابت الذي لا أثبت منه { لما } أي حين { جاءهم } لما ثار عندهم من أجل تعجبهم من إرسال رسولهم من حظوظ{[61080]} النفوس وغلبهم من الهوى ، حسداً منهم من غير تأمل لما قالوه ولا تدبر ، ولا نظر فيه ولا تفكر ، فلذلك قالوا ما لا يعقل من أن من قدر على إيجاد شيء من العدم وإبدائه لا يقدر على إعادته بعد إعدامه وإفنائه .

ولما تسبب عن انتسابهم في هذا القول الواهي{[61081]} وارتهانهم في عهدته اضطرابهم{[61082]} في الرأي : هل يرجعون فينسبوا إلى الجهل والطيش والسفة والرعونة أم يدومون عليه فيؤدي ذلك مع كفرهم بالذي خلقهم إلى أعظم من ذلك من القتال والقتل ، والنسبة إلى الطيش والجهل ، قال معبراً عن هذا المعنى : { فهم } أي لأجل مبادرتهم إلى هذا القول السفساف { في أمر مريج * } أي مضطرب جداً مختلط ، من المرج وهو اختلاط النبت بالأنواع المختلفة ، فهم تارة-{[61083]} يقولون : سحر ، وتارة كهانة ، وتارة شعر ، وتارة كذب ، وتارة غير ذلك ، والاضطراب موجب للاختلاف ، وذلك أدل دليل على الإبطال كما أن الثبات والخلوص موجب للاتفاق ، وذلك أدل دليل على الحقية{[61084]} ، قال الحسن : ما ترك قوم الحق{[61085]} إلا مرج أمرهم - وكذا قال قتادة{[61086]} ، وزاد : والتبس عليهم دينهم .


[61078]:من مد، وفي الأصل: نزلنا.
[61079]:من مد، وفي الأصل: ليست.
[61080]:من مد، وفي الأصل: حظوظي.
[61081]:من مد، وفي الأصل: الهاوي.
[61082]:من مد، وفي الأصل: إضرار بهم.
[61083]:زيد من مد.
[61084]:من مد، وفي الأصل: الحقيقة.
[61085]:من مد، وفي الأصل: نوح.
[61086]:راجع المعالم بهامش اللباب 6/194.